أحرى أن يقول حذرا من أن يحلف على كذب ، أو يقر خوفا من الإثم في اليمين فتبين خيانته.
فإن قيل : ما معنى قوله : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ)؟
قيل : يحتمل أن يكون على زيادة التغليظ في اليمين ، وللحاكم أن يغلظ في اليمين على الخصم إذا اتهمه بأكثر من هذا ، وهو أن يحضر يمينه جماعة إذا سأل الخصم ذلك.
أو ذكر بعد الصلاة ؛ لما كان ذلك الوقت هو وقت لجلوس (١) الحاكم بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر لا على التغليظ ، وإن كانت الآية نزلت ـ فيما ذكر ابن عباس ، رضي الله عنه ـ في نصرانيين (٢) ، فقد يجوز أن يكون الله أمر بذلك تغليظا عليهما ، وهما تميم وصاحبه ؛ إذا كانوا يعظمون وقت غروب الشمس وما قرب من ذلك ، ووقت طلوعها ؛ لأنه وقت عبادتهم إياها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً).
قال بعضهم : فإن اطلع منهما على خيانة : أنهما كتما وكذبا ، فجاء آخران يشهدان على غير ما شهدا عليه أجيزت شهادة الآخرين ، وأبطلت شهادة الأولين (٣).
قال القتبي : (فَإِنْ عُثِرَ) : أي : ظهر (٤).
وقال : أبو عوسجة : قوله : (فَإِنْ عُثِرَ) : أي : علم واطلع عليه ، يقال : عثرت على فلان ، وعلى ما يفعل فلان ، أي : علمت به واطلعت عليه ، أعثر عثرا [وقوله] ، وكذلك : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) [الكهف : ٢١] في سورة الكهف من هذا ، أي : اطلعنا عليهم ، وأعلمناهم بمكانهم ، ويقال : أعثرت فلانا على سرّ فلان ، أي : أعلمته.
ثم وعظ الله المؤمنين ، وحذرهم أن يفعلوا مثل ذلك ، فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) مواعظه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ما داموا في فسقهم ، أو قال ذلك لقوم علم الله منهم أنهم لا يرجعون عن ذلك أبدا.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ
__________________
(١) في ب : جلوس.
(٢) تقدم تخريجه قريبا.
(٣) قاله قتادة ، أخرجه عنه الطبري (٥ / ١١٤) رقم (١٢٩٦٦) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٦٠٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (٥ / ١١٣) ولم يذكر نسبته للقتبي.