وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً).
يريد ـ والله أعلم ـ أن يشهد عليهما شاهدان منا أو منهم [بشيء](١) جحداه : أنه من تركة الميت ؛ فهذا استحقاق الورثة ، فإذا قال المدعي قبلهما : اشتريناه من الميت ، فعلى الورثة أن يحلفوا ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ معنى قوله : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) ؛ لأن الورثة صاروا مدعى عليهم ، فقاموا في هذه الحال في وجوب اليمين عليهم مقام الأولين لما كانت الدعوى عليهم ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ أقرب الوجوه في تأويل الآية وأشبهها ، وهو ـ إن شاء الله ـ معنى ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وإن لم يذكر تفسير قوله : (مِنْ غَيْرِكُمْ) وهو ـ والله أعلم ـ : على غير ديننا (٢) ؛ لأنه ذكر المؤمنين جملة.
وأصحابنا لا يجيزون شهادة أهل الكفر في الوصية لمسلم ، لا في ضرورة ولا في غيرها ؛ لأنهم مع اختلافهم اتفقوا في أن شهادة الكفار لا تجوز على غير الوصية في حال ضرورة ، ولا في غيرها ، فشهادتهم في الوصية على المسلمين مثل ذلك.
ويمكن (٣) أن يكون تأويل الآية : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) في بيان ما يجوز من شهادة ذوي العدل منا في الحضر والسفر في الوصية وفي غير الوصية ؛ كقوله (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢].
وقوله ـ تعالى ـ : (ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) [البقرة : ٢٨٢] الآية ، هذا في السفر والحضر.
وفي الدين وغير الدين سواء ، فعلى ذلك الأول ، ثم ابتدأ الحكم في غيره ، فقال : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ).
فإن قيل : فما معنى قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها)؟ [المائدة : ١٠٨](٤) قيل : في ذلك بيان أن المؤتمن إذا ادعيت عليه الخيانة ، وقال هو : [قد](٥) ردت ما كان في يدي ؛ فإنه لا يصدق إلا بعد أن يحلف ، فإذا علم أنه لا يقبل قوله إلا بيمين كان
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ١١٤) ، رقم (١٢٩٦٧).
(٣) في ب : وأمكن.
(٤) قال القاسمي (٦ / ٤١٩) : الحق أن الآية محكمة لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ. وأما قوله ـ تعالى ـ : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) [البقرة : ٢٨٢] وقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] فهما عامان من الأشخاص والأزمان والأحوال. وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض ، وبالوصية ، وبحالة عدم الشهود المسلمين. ولا تعارض بين خاص وعام.
(٥) سقط من ب.