إلى مكة في التجارة ، فخرج رجل من بنى سهم ، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم ؛ فأوصى إليهما ، فدفعا تركته إلى أهله ، وحبسا جاما (١) من فضة ، فاستحلفهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كتمتما ولا اطلعتما. ثم عرف الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من عدي وتميم ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله : إن هذا الجام للسهمي ولشهادتنا أحق من شهادتهما ، فأخذوا الجام ، وفيهم نزلت هذه الآية (٢).
وفي هذا الحديث أن اليمين وجبت على المدعى عليهم كما ادعى عليهم الورثة : أنهم تركوا بعض تركة الميت ، وفيه أن الإناء لما ظهر ادعى تميم وصاحبه ، أنهما اشترياه من الميت فكانا مدعيين ، وحلف الورثة على دعواهم وصاحبه وهذان حكمان موافقان لسائر الأحكام والسنن ، فإن كان الأمر كما ذكر في هذا ، فليس في الآية نسخ ، ولا فيها [ما يخالف](٣) الأحكام الظاهرة ، وليس يجوز ـ عندنا ـ أن يحلف الشاهدان إذا كانا كافرين مع شهادتهما ؛ لأن ظاهر الآية يوجب اليمين على العدلين منا ومن غيرنا ، فلما لم يجز أن يحلف الشهود المسلمين على الوصية التي يشهدون لها ، وإنما يحلفون على شيء إن ادعوا أنهم حبسوه شيئا ، كان سبيل الكفار كذلك.
وإذا كانت الآية نزلت في قصة تميم وصاحبه وكانا نصرانيين ، فإن ذلك يدل على أن شهادة بعضهم على بعض جائزة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) فمعنى الآية على هذا التأويل ، ـ والله أعلم ـ أن يكون الميت خلف تركته عند ذميين ، على ما ذكر في القصة ، وقالا : ترك في أيدينا كذا وكذا ، وادعى الورثة أكثر من ذلك ، فاستحلف المدعى قبلهم ، وقوله : (تَحْبِسُونَهُما) على هذا التأويل هو المدعى عليهما.
__________________
ـ أسلم يتجاوز الله عنك». فأسلم ، وحسن إسلامه ، ومات عدى بن بدّاء نصرانيّا. اه.
(١) الجمم : من الإناء والمكيال : جمامه ، وهو ما تجاوز رأسه بعد امتلائه. ينظر : المعجم الوسيط (جمم).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٤ / ١٦) رقم (٢٧٨٠) كتاب الوصايا : باب قول الله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ...) ، وأخرجه الترمذي في سننه (٥ / ١٤٦) رقم (٣٠٦٠) في أبواب «تفسير القرآن» : باب (ومن سورة المائدة) ، والبيهقي في سننه (١٠ / ١٦٥) كتاب الشهادات : باب ما جاء في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)[المائدة : ١٠٦] ، وأخرجه الطبراني (٥ / ١١٥) رقم (١٢٩٧٠) وما بعده ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٦٠٢) وزاد نسبته لابن المنذر والنحاس ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.
(٣) سقط من ب.