وقوله ـ تعالى ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧] ونحوه ، أنه وحي إلهام وقذف لا وحي إرسال ، والقذف في القلب من غير تكلف ولا كسب ، وهو الإخطار بالقلب على السرعة (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي).
والخطر يكون من الله تعالى ، ويكون من الشيطان ، لكن ما يكون من الله تعالى يكون خيرا ، يتبين ذلك في آخره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) يحتمل وجهين :
يحتمل : أن قالوا لعيسى : واشهد أنت عند ربك بأننا مسلمون.
ويحتمل : أن سألوا ربهم : أن يكتبهم من الشاهدين ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة : ٨٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ).
اختلف فيه :
قيل : إن قوما من غير الحواريين سألوا الحواريين أن يسألوا عيسى ـ عليهالسلام ـ حتى يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء (١) ؛ لأن الحواريين قد قلنا : إنهم كانوا خواص عيسى ـ عليهالسلام ـ فكان كمن بدت له حاجة إلى بعض الملوك ؛ فإنه إنما يرفع أولا إلى خواصه ؛ فهم الذين يتولون رفعها إلى الملك ؛ فعلى ذلك رفعوا حاجتهم إلى الحواريين ؛ ليسألوا (٢) هم نبي الله عيسى ـ عليهالسلام ـ ليسأل ربه.
وقال آخرون : لم يسألوا قومهم ذلك ؛ ولكن الحواريين هم الذين سألوا عيسى ـ عليهالسلام ـ أن يسأل ربه حتى ينزل عليهم مائدة [من السماء](٣) ، لكن سؤالهم ذلك يحتمل وجوها :
[الأول] : يحتمل سألوا ذلك ؛ لما أرادوا أن يشاهدوا الآية ، ولم يكونوا شاهدوا قبل ذلك ؛ فأحبّوا أن يشاهدوها ، وإن كانوا قد آمنوا به وصدقوه من قبل ؛ ليزداد لهم بذلك طمأنينة ويقينا ، وهو كقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] لما يحتمل أن نفسه كانت تحدث وتنازع في ذلك ، وأحب أن يعاين ذلك ويشاهده ؛ ليزداد له طمأنينة ويقينا ؛ فعلى ذلك أولئك
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي (٣ / ٢٣٥).
(٢) في ب : فيسألوا.
(٣) سقط من ب.