كانت (١) أنفسهم تحدث وتنازع في مشاهدة الآيات ؛ فأحبوا أن يريهم بذلك ؛ ليزداد (٢) لهم طمأنينة ويقينا وصلابة في التصديق ، والله أعلم.
والثاني : يحتمل أن يكون عيسى يخبرهم أن لهم كرامة ومنزلة عند الله ؛ فأحبوا أن يعرفوا منزلتهم عند الله وكرامتهم.
والثالث : سألوا ذلك ؛ ليعرفوا منزلة عيسى ـ عليهالسلام ـ عند الله وكرامته : هل يجيب ربه دعاءه إذا سأل ربه؟ والله أعلم.
وإن كان السؤال من قوم [غير](٣) الحواريين ؛ فهو لما بدت لهم من الحاجة إليها ، [و] لا نعلم ذلك إلا بالخبر الصادق.
وقوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) يقرأ بالياء والتاء (٤) جميعا :
فمن قرأ بالتاء ذهب في التأويل إلى أن فيه إضمارا ؛ كأنهم قالوا : هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء.
ومن قرأ بالياء قال : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ، أي : هل يجيب ربّك دعاءك إذا دعوته أن ينزل علينا مائدة من السماء.
قال الفراء : قد يكون مثل هذا السؤال على غير الجهل من السائل بالمسئول ؛ لأنه يجوز أن يقال في الكلام : هل يستطيع فلان أن يقوم في حاجتنا وفي أمرنا ، على علم منه أنه يستطيع ، ولكنه يسأل عنه : أيفعل أم لا؟ وذلك جائز في العربية ؛ ألا ترى أن قراءة من قرأ بالتاء ـ وهو ابن عباس وعائشة : (هل تستطيع ربك) ـ على علم منهم أن عيسى يستطيع السؤال لربه؟! لكنهم قالوا ذلك لما ذكرنا ، وذلك جائز في اللغة.
ويجوز أن يراد بالاستطاعة : الإرادة ، يقول الرجل لآخر : لا أستطيع أن انظر إلى فلان ، وهو يقدر النظر ، لكنه يريد بذلك : لا أريد أن انظر إليه ؛ فعلى ذلك قوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) : هل يأذن لك ربّك بالسؤال في ذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : كان.
(٢) في ب : فيزداد.
(٣) سقط من ب.
(٤) قرأ الجمهور : «يستطيع» بياء الغيبة ، «ربك» مرفوعا بالفاعلية ، والكسائي : «تستطيع» بتاء الخاطب لعيسى ، و «ربك» بالنصب على التعظيم ، وقاعدته أنه يدغم لام «هل» في أحرف منها هذا المكان ، وبقراءة الكسائي قرأت عائشة ، وكانت تقول : «الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا : هل يستطيع ربك» ؛ كأنها ـ رضي الله عنها ـ نزهتهم عن هذه المقالة الشنيعة أن تنسب إليهم ، وبها قرأ معاذ أيضا وعلى وابن عباس وسعيد بن جبير في آخرين. ينظر : الدر المصون (٢ / ٦٤٨ ـ ٦٤٩).