وكقوله ـ تعالى ـ : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ) [البقرة : ٢٢٩].
وقيل : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(١) : في كلامها ، وبرّها ، والإنفاق عليها ، والإحسان إليها والاجتناب عما لا يليق بها من الشتم والإيذاء ، وغير ذلك (٢).
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) يحتمل : بالفضل ، ويحتمل : كما لو فعل بك مثل ذلك لم تنكره ، بل تعرفه وتقبله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) قيل فيه بوجهين :
قيل : كرهتم صحبتهن من قبحهن ودميمتهن (٣) ، أو سوء خلقهن ، فصبرتم على ذلك (وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)
قيل : يهب لكم منهن أولادا تقر بهم أعينكم ، أو يعطى لكم في الآخرة ثوابا جزيلا بصحبتكم إياهن (٤).
وقيل [في](٥) قوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) أي : كرهتم فراقهن (٦) ، ويجعل الله
__________________
(١) قال القرطبي (٥ / ٦٥) : استدل علماؤنا بقوله ـ تعالى ـ : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء : ١٩] على أن المرأة إذا كانت لا يكفيها خادم واحد أن عليه أن يخدمها قدر كفايتها ، كابنة الخليفة والملك وشبههما ممن لا يكفيهما خادم واحد ، وأن ذلك هو المعاشرة بالمعروف. وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يلزمه إلا خادم واحد ، وذلك يكفيها خدمة نفسها ، وليس في العالم امرأة إلا وخادم واحد يكفيها ؛ وهذا كالمقاتل تكون له أفراس عدة فلا يسهم له إلا لفرس واحد ؛ لأنه لا يمكنه القتال إلا على فرس واحد.
قال علماؤنا : وهذا غلط ؛ لأن مثل بنات الملوك اللائي لهن خدمة كثيرة لا يكفيها خادم واحد ؛ لأنها تحتاج من غسل ثيابها وإصلاح مضجعها وغير ذلك ما لا يقوم به الواحد وهذا بيّن.
قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٧٠ ـ ٧١) : قال السيوطي في الإكليل : في الآية وجوب المعروف من توفية المهر والنفقة والقسم واللين في القول وترك الضرب والإغلاظ بلا ذنب.
واستدل بعمومها من أوجب لها الخدمة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها.
وقال : قوله تعالى : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) يعني : كرهتم الصحبة منهن ، (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ....) [النساء : ١٩] الآية ، أي : ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا يكون فيه خير كثير. وبأن ينيلكم الثواب الجزيل في العقبى بالإنفاق عليهن والإحسان عليهن على خلاف الطبع.
وفي «الإكليل» : قال الكيا الهراسي : في هذه الآية استحباب الإمساك بالمعروف وإن كان على خلاف هوى النفس. وفيها دليل على أن الطلاق مكروه.
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣٦) وعزاه لابن المنذر عن عكرمة مولى ابن عباس.
(٣) في ب : وذميمتهن.
(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣) (٨٩١٠) عن السدي ، و (٨٩١١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٥) سقط من ب.
(٦) ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢١٣ ـ ٢١٤).