__________________
وأما الخبر : فمن وجهين :
الأول : أنه ثبت بالتواتر أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مات عن تسع ، وأمرنا الله باتباعه ؛ بقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ)[الأنعام : ١٥٣] ، وأقل مراتب الأمر ـ الإباحة.
الثاني : أن التزويج بأكثر من أربع طريقه ، عليه الصلاة والسلام ؛ فيكون سنة له.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «النكاح سنتي وسنة الأنبياء من قبلي ؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، وهذا يقتضي الذم لمن ترك التزويج بأكثر من أربع ؛ فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
أجاب القدماء بما روي أن غيلان أسلم ـ وتحته عشر نسوة ـ فقال له ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أمسك أربعا وفارق باقيهن». وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : أن هذا نسخ للقرآن بخبر الواحد ، وذلك لا يجوز.
الثاني : أن هذه واقعة حال ؛ فلعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما أمره بإرسال أربع ومفارقة البواقي ؛ لأن الجمع بين الأربع وبين البواقي غير جائز ، إما لنسب أو رضاع ، أو اختلاف دين محرم ، وإذا قام الاحتمال ؛ فلا يمكن نسخ القرآن إلا بمثله.
واستدلوا أيضا بإجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع ، وهذا أيضا فيه نظر من وجهين :
أحدهما : أن الإجماع لا ينسخ به ؛ فكيف يقال : الإجماع نسخ هذه الآية؟
الثاني : أن هؤلاء الذين قالوا بجواز الزيادة على الأربع من جملة فقهاء الأمصار ، والإجماع لا ينعقد مع مخالفة الواحد والاثنين.
وأجيب عن الأول بأن الإجماع يكشف عن حصول النسخ في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعن الثاني : أن هذا المخالف من أهل البدعة ؛ فلا عبرة بمخالفته.
فإن قيل : إذا كان الأمر على ما قلتم ؛ فكان الأولى أن يقال : «مثنى أو ثلاث أو رباع» ؛ فلم جاء بواو العطف دون «أو»؟!
فالجواب : أنه لو جاء بالعطف ب «أو» ـ لكان يقتضي أنه يجوز ذلك إلا أحد هذه الأقسام ، وألا يجوز لهم أن يجمعوا بين هذه الأقسام ، بمعنى أن بعضهم يأتي بالتثنية ، وبعضهم بالتثليث ، والفريق الثالث بالتربيع ؛ فلما ذكره بحرف الواو ـ أفاد ذلك أنه يجوز لكل طائفة أن يختاروا قسما من هذه الأقسام ، ونظيره أن يقال للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف : در همين در همين ، وثلاثة ثلاثة ، ولطائفة ثالثة أن يأخذوا أربعة أربعة ؛ فكذا هاهنا في ترك «أو» وذكر الواو.
وأجيب عن هذه الأقوال السابقة بأن الآية مسوقة لبيان الحل المقيد بعدد ، لا لبيان أصل الحل في ذاته ؛ لأنه معلوم من غيرها ، فذكر هذه الأعداد إنما هو لبيان الذي يحل منه ، والعدد وإن كان لا مفهوم له فذكره لا ينفي الحكم عما عداه ، إلا أنهم لم يستدلوا بالعدد من حيث هو عدد وإنما من جهة كونه حالا من مفعول «انكحوا» ؛ لأن الحال قيد في عاملها ، وعلى ذلك يكون الإحلال المفهوم من «أنكحوا» مفيدا بهذا العدد ، ويكون الحكم عن غيره منتفيا.
ثم إن السنة الصحيحة والإجماع من السلف على قصر الحل على أربع.
ولم ينقل أن أحدا من المسلمين همّ أو تزوج بأكثر من أربع ، كذلك لم ينقل أن أحدا من الصحابة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال بجواز الزيادة ، فكان ذلك إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم ، على وجوب الاقتصار على أربع. ولذلك قال مالك والشافعي ـ رحمهماالله تعالى ـ : «إذا تزوج خامسة ـ وعنده أربع ـ عليه الحد إن كان عالما».
وقال الزهري : «يرجم إذا كان عالما ، وإذا كان جاهلا عليه أدنى الحدين ، الذي هو الجلد وهو ـ