في إنكارهم خلق الأفعال ، وجواز ترك الأصلح في الدين.
ثم قوله : (عِلْماً) : قال بعضهم (١) : علما بالقضاء والحكم والعلم بكلام الطير والدواب.
وقال بعضهم : فضلا بالنبوة والعلم.
لكن عندنا ذكر أنه آتاهما العلم ، ولم يبين ما ذلك العلم أنه علم ما ذا؟ مخافة الكذب على الله ، والله أعلم.
وقوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) : قال أهل التأويل (٢) : ورث النبوة والحكم ، والوارث : هو الباقي بعد هلاك الآخر وفنائه ، كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠] أي : نبقى بعد هلاك أهلها وفنائهم ، وقوله : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) [الحجر : ٢٣] أي : الباقون بعد فنائهم ، إلا أنه ورث شيئا لم يكن له من قبل ؛ وكذلك قوله : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ...) الآية [الأحزاب : ٣٣] ، أي : أبقاكم وترككم في أرضهم وديارهم ، وقوله : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها) [الزخرف : ٧٢] أي : أبقيتم فيها ، وأمثال ذلك كله راجع إلى البقاء ؛ فعلى ذلك قوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أي : بقي في ملكه ونبوته ؛ وعلى ذلك ما سأل زكريا ربه من الولد حيث قال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) [مريم : ٥ ، ٦] لا يحتمل أن يسأل ربه ولدا يرث ماله من بعد وفاته ، ولكن كأنه سأل ربه الولد ؛ ليبقى في نبوته ورسالته بعد وفاته ؛ لتبقى النبوة في نسله ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : لا يحتمل أن يذكر هذا ـ صلوات الله عليه ـ على الافتخار والنباهة ، ولكن ذكر فضل الله ونعمه التي أعطاه ومنّ عليه ؛ كقوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١] ، ألا ترى أنه قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).
ثم قوله : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : لا يحتمل كل شيء ؛ لأنهم لم يؤتوا كل شيء حتى لم يبق شيء ، إنما أوتوا شيئا دون شيء ، ولكن كأنه قال : وأوتينا من كل شيء سألناه أن يؤتينا.
أو أن يكون (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) مما يؤتى الأنبياء والملوك وما يحتاج إليه ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٥٠٢).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٩٣).