وَالْإِنْسِ ...) [الأعراف : ١٧٩] ونحوه كثير ، وقوله : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] ليس في الخطاب والتكليف ، ولكن في أشياء كثيرة.
وقوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي : لم يمكث طويلا حتى جاءه.
وفي حرف ابن مسعود : فمكث غير بعيد ثم جاءه.
(فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) : كأنه سأله : أين كنت؟ فقال عند ذلك له : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ). وفي حرف أبي : أحطت بما لم تحط به أنت ولا أحد من جنودك ، أي : بلغت ما لم تبلغ أنت ، أي : علمت ما لم تعلم أنت ولا أحد من جنودك.
ثم قال : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) : لا شك فيه ؛ فكأنه سأله عن ذلك النبأ ، فقال عند ذلك ـ والله أعلم ـ : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يؤتى الملوك على ما ذكرنا في قوله : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).
ثم العجب من أمر بلقيس أن كيف خفي خبرها وأمرها على سليمان كل ذلك الخفاء ، وكانت بقرب منه ، وكانت ملكة جبارة ذات سلطان وملك ، وكان يذهب في كل غدو مسيرة شهر ، وفي كل رواح كذلك ، كيف لم يطلع على أمرها وخبرها؟! وكانت الجن والشياطين مسخرين له ومذللين ، يعملون له الأعمال الصعبة الشديدة ، ويطوفون في الآفاق والأفق ، وكان هو بعث إلى الدعاء إلى توحيد الله ، كيف خفي عليه أمرها وخبرها كل هذا الخفاء ، حتى أخبره بذلك الهدهد؟! هذا ـ والله أعلم ـ أمر عجيب ، ومن عادة الملوك ـ أيضا ـ أنهم يطلع بعضهم على أمور بعض ، ويعلم بأحواله.
لكن يحتمل خفاء خبرها عليه لما لا يتجاسر كل أحد أن يكلمه في ذلك ، وأن يعلمه عن حالها ـ وإن كان لا يعلم هو ذلك ـ إلا بعد السؤال وطلب الخبر ؛ تعظيما له وإجلالا ؛ وهكذا الملوك ليس يتجاسر كل أحد أن يخبره عن كل أمر وخبر إلا بعد السؤال إياه ؛ تعظيما لهم وتوقيرا ، فعلى ذلك أمر سليمان مع بلقيس.
أو أن يكون لأمر وسبب لم يبلغنا ذلك ، ولم نشعر به.
وقال بعض أهل التأويل في قوله : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) : إنما طلبه وتفقده ؛ لأن الطير كانت تظله على رأسه من الشمس ، فلما نظر إلى الطير وجد موضع الهدهد خاليا يقع عليه الشمس ، فعند ذلك قال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ).
وقالوا في قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) أي : لأنتفن ريشه حتى تصيبه الشمس ، فذلك هو العذاب الشديد ، لكن لا نفسر ما ذلك العذاب الشديد الذي أوعده سليمان مخافة الكذب والله أعلم.