وقوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) : يخرج على الصلة بقوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) ؛ كأنه يقول : من يملك إجابة المضطر وكشف السوء عنه وجعلكم الخلفاء في الأرض خير ، أمّن لا يملك من ذلك شيئا؟ فجواب ذلك أن يقولوا : بل الذي يملك ذلك خير ممن لا يملك ولا يقدر على ذلك.
أو يخرج على الوجهين اللذين ذكرتهما :
أحدهما : أنكم تعلمون أن الذي يجيب المضطر ويكشف السوء هو الله تعالى ، لا الأصنام التي تعبدونها ، فكيف أشركتموها في الألوهية والعبادة؟!
والثاني : أنه إذا أجاب دعوة المضطر وكشف السوء والأحزان ومنع ؛ فدل بقاء ذلك كله واتساق الأمر أنه واحد لا شريك له ؛ فهذا على الثنوية ، والأوّل على المشركين ؛ لإشراكهم غيره في العبادة له وتسميته الإله.
وقوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أي : لا إله مع الله (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).
وعلى ذلك يخرج قوله : (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) على الوجوه التي ذكرناها ؛ وكذلك قوله : (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي من يقدر على ما تقدم ذكره يملك البعث بعد الموت وإحياءكم ؛ يلزمهم البعث بهذا أي : من يقدر [على] هذا يقدر [على] ما ذكر.
(أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أي : لا إله مع الله ، بل الله هو المتفرد بذلك دون من يعبدون ويشركون.
وقوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي : من لج في هذا أو أنكر ذلك وادعى الشرك فيه لغيره ، (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في مقالتكم.
وقوله : (بُشْراً) من البشارة و «نشرا» بالنون من التفريق والرفع.
وقوله : (خُلَفاءَ الْأَرْضِ) : يخلفون من قبلهم من الأمم ؛ قال أبو معاذ : وواحد خلفاء خليف ، وواحد الخلائف خليفة ، والخليف من الخالف كالعليم من العالم.
وقوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يقول ـ والله أعلم ـ يفعل ذلك ، أي يرزقكم ، وينزل لكم من السماء ماء ، وينبت من الأرض ما تأكلون ، ويرعى أنعامكم ، أو مع الله إله يهديكم في ظلمات البر والبحر ، ويرسل لكم الريح بشرا ، أو يجيب المضطر ويكشف السوء عنه ، وكل ما ذكر ، أي : ليس معه إله سواه ، بل الله يفعل ذلك وحده ، فكيف أشركتم غيره في إلهيته وعبادته ، على علم منكم أن الذي تعبدون من دونه لا يملك شيئا أن يفعل ذلك