الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٧٥)
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) : كأنهم قالوا ذلك لأحد وجهين :
إما استهزاء بما يخبرهم الرسل أنكم تبعثون ، أو قالوا ذلك احتجاجا بما احتجوا به على الرسل بقولهم الذي قالوا : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، يحتجون فيقولون : لقد وعد آباؤنا بالبعث كما وعدنا نحن ، ثم لم نرهم بعثوا منذ ماتوا ؛ فعلى ذلك نحن وإن وعدنا فلا نبعث كما لم تبعث آباؤنا.
ثم قال : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) : يقول ـ والله أعلم ـ : لو سرتم في الأرض فنظرتم إلى ما حل بمكذبي الرسل من العذاب ، والرسل إنما كانوا يدعون إلى توحيد الله ، والإقرار بالبعث بعد الموت ، فكل ذلك ينزل بكم ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل بالبعث وغيره ؛ فيكون قوله : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ليس على حقيقة الأمر بالسير ، ولكن على ما ذكرنا ، أي : لو سرتم لعرفتم ما حل بهم بتكذيبهم ، أو أن يكون الأمر بالسير في الأرض أمرا بالتفكر فيما نزل بأولئك ، الأمر بالنظر في عاقبة أمرهم أمر بالاعتبار فيهم ، وفي أمر أولئك أمر بهذا ؛ ليزجرهم ذلك عن مثل صنيعهم وفعلهم.
وقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) : قال قائلون : قوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) بما يحل بهم من العذاب ، إن لم يحزنوا هم على أنفسهم ولم يرحموها.
وقال بعضهم : قوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إن لم يسلموا ؛ كقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : ٦] ؛ وكقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ، وأمثال ذلك ، كادت نفسه تهلك وتتلف ؛ إشفاقا عليهم بما ينزل بهم بتركهم الإسلام ، فقال : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، ليس على النهي ، ولكن على تسكين نفسه وتقريرها على ما هي عليه ؛ لئلا تتلف وتهلك ، وهو ما قال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص : ٥٦].
وقوله : (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) : هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تكن في ضيق مما يستهزءون بك ، ويسخرون بما توعدهم من العذاب