أو لذو فضل على الناس فيما أنعم عليهم في أموالهم وأنفسهم ، لكنهم لا يشكرون في ذلك ، بل يصرفون شكره إلى غير المنعم ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ).
قوله : (تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) يحتمل وجهين :
أحدهما : ما تكنون أنتم في صدوركم وتسترون فيها (وَما يُعْلِنُونَ) ، أي : ما يبدون ويظهرون فيها ، يعلم ذلك كله.
أو (ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) ، أي : ما تخفي أنفس الصدور وتستر فيها (وَما يُعْلِنُونَ) : وما تحمل الصدور أصحابها على إبداء ما فيها وإظهاره ، وهو ما ذكر في الخبر حيث قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح جميع بدنه وهو القلب» ، والله أعلم.
وقوله : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) هذا يخرج على وجهين ـ أيضا ـ :
أحدهما : ما من غائبة في السماء والأرض مما كان ويكون أبد الآبدين إلا كان ذلك مبينا في كتاب مبين ، يخبر أنه كان لم يزل عالما بما كان منهم أبد الآبدين ، وأنه عن علم بأفعالهم وصنيعهم خلقهم وأنشأهم ، لا عن جهل وغفلة.
والثاني : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : ما من غائبة عن الخلق ما يغيب بعضهم من بعض ويستر بعضهم بعضا ، (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) : إلا كان ذلك عند الله محققا ظاهرا مرقوبا ، ينبههم ؛ ليكونوا على حذر ؛ يقول : إن ما يغيب بعضهم من بعض فهو عند الله محفوظ رقيب لا يغيب عنه شيء ؛ كقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] ، والله الموفق.
قال بعضهم (١) : في قوله : (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) أي : أعجل لكم.
قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ)(٨٢)
وقوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) قوله :
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٠٧٩) ، والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢١٥).