عليه. وقال بعضهم (١) : فارغا من كل شيء إلا على موسى وذكره ، وكأن قوله : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) جواب قوله : (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ...) الآية.
وهو يحتمل وجوها :
أحدها : أن الله رفع الحزن والخوف وطمأنها من غير أن كان ثمة قول أو كلام.
والثاني : على القول لها : لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، فلو كان على هذا فهو على البشارة لها بالردّ إليها وجعله رسولا ، أو على النهي والزجر عن الحزن عليه والخوف عليه ، هو حزن مفارقته لها ، والخوف عليه خوف الهلاك ؛ كقول يعقوب حيث قال : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) [يوسف : ١٣] ذكر الحزن عند المفارقة والذهاب عنه ، والخوف عند الهلاك ، فرفع الله عنها حزن المفارقة ، وبشرها بالرد إليها وجعله رسوله وأمنها عن الهلاك ؛ فيكون قوله : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) مما خافت عليه وحزنت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) : كادت لتبدي به لو لا أن ربطنا على قلبها بما ذكر من قوله : (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ...) الآية ، فلم تكد أن تبدي ، وهو كما ذكر : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف : ٣٤] أي : كان يهم بها لو لم ير برهان ربّه لا أنه هم بها ؛ وهو كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٤] أي : كان يركن إليهم شيئا قليلا لو لم يثبته ، لكنه ثبته فلم يركن إليهم ونحوه ؛ فعلى ذلك الأول.
وقال أهل التأويل : ربط قلبها بالإيمان.
وجائز أن يكون ربطه قلبها لما ذكر من قوله : (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ...) الآية.
وقال بعضهم : (٢) (فارِغاً) من عهد الله الذي كان عهد إليها ، أنساها عهد الله عظم البلاء الذي حل بها ، فكادت تبدي به ، ثم تداركها الله بالرحمة فربط على قلبها فذكرت وارعوت (٣).
وقال بعضهم (٤) : اتخذه فرعون ولدا ، فصار الناس يقولون : ابن فرعون ابن فرعون ، فأدركت أمه الرقة وحبّ الولد فكادت تقول : بل هو ابني ، والأوّل أشبه (٥) ، وفي حرف
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧١٩٦ ـ ٢٧١٩٩) ، وعن مجاهد (٢٧٢٠٠) ، ومطر (٢٧٢٠٢) ، وقتادة (٢٧٢٠٣) ، والضحاك (٢٧٢٠٤) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٢٩).
(٢) قاله ابن زيد والحسن ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٧٢٠٥) و (٢٧٢٠٦).
(٣) ثبت في حاشية أ : أي : إثبات الأمن لها ، ودفع الخوف ، شرح.
(٤) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٤٣٧).
(٥) ينظر : اللباب (١٥ / ٢١٩).