الرِّعاءُ) ؛ لما ذكرنا.
وقرئ : (يُصْدِرَ) بنصب الياء (١) وبالرفع جميعا.
فمن قرأه بالنصب فإنه يقول : حتى يصدر الرعاء بأنفسهم أي : يرجع.
ومن قرأه بالرفع ، أي : حتى يصرفوا ويرجعوا أغنامهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) : تذكران ـ والله أعلم ـ عذر أبيهما في التخلف عن سقي الغنم ، وإرساله إياهما في ذلك دون تولي ذلك بنفسه ، وقالا : ذلك لكبره وضعفه ما يتخلف عن ذلك ويرسلهما ، وإلا لا معنى لذكر كبر أبيهما بلا سبب يحملهما على ذلك سوى ما ذكرنا.
وجائز أن يكون لمعنى آخر لا نعلمه.
وقوله : (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) : دل أن البئر التي كانت تسقى الماشية منها كانت في الشمس ؛ حيث أخبر أنه أسقى لهما ثم تولى إلى الظل.
وفيه أن لا بأس بأن يجلس في الظل.
وقوله : (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قيل (٢) : إن هذا منه شكاية عما أصابه من الجوع ؛ لأنه ذكر أنه خرج من المصر إلى مدين هاربا من فرعون وقومه ، غير متزود ، وهو مسيرة ثماني ليال.
وفيه دلالة أن لا بأس للرجل أن يخبر ويذكر عما هو فيه من الشدة والبلاء ، حيث ذكر موسى حاله التي هو فيها من الجوع الذي أصابه ؛ وكذلك ما قال في آية أخرى : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) [الكهف : ٦٢] ، وذلك يرد قول من يقول : إن مثل هذا يخرج مخرج الشكاية عن الله ، ولو كانت شكاية لكان موسى لا يقول ذلك ولا يذكره.
وقوله : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ).
قوله : (تَمْشِي) : مشي من لم يعتد الخروج.
أو (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) ، أي : تمشي مشي من لم يخالط الناس على التستر والتغطية.
(قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) : هذا يدل على أن لا بأس أن يؤخذ على المعروف الذي صنع إلى آخر أجر ، والأفضل على من صنع إليه المعروف والتبرع أن
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٥ / ٢٣٦ ، ٢٣٧).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٣٤١) و (٢٧٣٤٢) و (٢٧٣٤٣) ، وعن سعيد بن جبير (٢٧٣٤٤) ، وإبراهيم (٢٧٣٤٥) ، ومجاهد (٢٧٣٤٦) ، و (٢٧٣٤٧) ، وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور.