لكن لا نعلم التأويل الصحيح ، فعلى ما ذكروا ، وليس في الآية إلا قضاء الأجل ؛ فلا يزاد على ذلك إلا بثبت ، فإن ثبت ما روي من الخبر ، فهو والله أعلم.
وقوله : (وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً آنَسَ) : قيل (١) : أبصر وأحسّ نارا.
قال بعضهم : إن موسى لم يكن رأى نارا ، ولكن إنما رأى نورا ظن أنه نار ، فلا يحتمل ذلك ؛ لأنه أخبر أنه آنس نارا ، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة نارا لم يجز ، وكان ذلك يوجب الكذب في الخبر ، إلا أن يقال على الإضمار : آنس من جانب الطور نورا ظن أنه نار ، أو في ظنه أنه نار.
(قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) أي :
امكثوا لعلي آتيكم منها بخبر يدلنا أو بجذوة تضيء الطريق ؛ فكأنه قد ضل الطريق فيقول : لعلي آتيكم منها بخبر الطريق أو جذوة من النار ، أي : آتيكم بجذوة من النار ، وهي ما رغبتم فيه ولم آتكم بخبر الطريق (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) هذا يدل أنه كان في أيام الشتاء ، وفي وقت البرد : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) قال بعضهم : الأيمن : أي : عن يمين الجبل.
وقال بعضهم (٢) : عن يمين موسى.
وقال بعضهم (٣) : يمين الشجرة ، ولكن الأيمن : المبارك ، وهو من اليمن ، الوادي اليمن.
والبقعة المباركة : قال بعض أهل التأويل : سميت مباركة ؛ لكثرة أشجارها وأنزالها ، وكثرة مياهها وعشبها ، ولكن سماه : مباركا وأيمن ـ والله أعلم ـ لأنه مكان الأنبياء والرسل وموضع الوحي.
وقوله : (مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ولله أن يسمع ويخبر من شاء مما شاء وكيف شاء كما أسمع مريم من تحتها حيث قال : (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي) [مريم : ٢٤].
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٧٤١٤) ، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤١).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٤٢١) و (٢٧٤٢٢) ، والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٢).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٢).