وقوله : (سِحْرانِ) بغير ألف : كتابان ، لكنهم اختلفوا :
قال بعضهم (١) : التوراة والإنجيل.
وقال بعضهم (٢) : الفرقان والتوراة ونحوه.
وقال بعض أهل الأدب : ساحران : أولى وأقرب ؛ لأن ذكر التظاهر إنما يكون بين الأنفس لا يكون بين الكتب.
(تَظاهَرا) أي : تعاونا.
وقال بعضهم من أهل الأدب ـ أيضا ـ (سِحْرانِ) بغير ألف أولى ؛ لأنه أراد به الكتابين. ألا ترى أنه طلب منهم بما قالوا إتيان الكتاب حيث قالوا : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) ردّا على ما قالوا وطلبوا منه.
لكن نقول نحن : لا نحب أن نختار إحدى القراءتين على الأخرى ؛ لأنه إنما هو خبر أخبر عنهم أنهم قالوا ذلك : فمرة قالوا : (سِحْرانِ) ، ومرة قالوا : (سِحْرانِ) ، فأخبر على ما قالوا ؛ وكذلك قوله : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) بالألف وبغير الألف ، لا يختار أحدهما على الآخر ؛ لأنه خبر أخبر عنهم على ما كان منهم فهو على ما أخبر ، والله أعلم.
وقال بعض أهل التأويل (٣) في قوله : (لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) : قالت اليهود : نأمر قريشا أن تسأل أن يؤتى محمد مثل ما أوتي موسى يقول الله لرسوله : قل لقريش يقولوا لهم : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى) يعني : اليهود ، وقالوا : (سِحْرانِ تَظاهَرا) قال قول اليهود لموسى وهارون وهو مما ذكرنا قريب ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) ما أوتي موسى على اختلاف ما ذكرنا.
ثم قال : قل يا محمد لقريش أهل مكة : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) من التوراة والفرقان أو التوراة الإنجيل على اختلاف ما قالوا ، (أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم أنهما سحران تظاهرا ، وأنه مفترى ، ائتوا أنتم من عند الله بكتاب أتبعه ؛ إلى هذا ذهب أهل التأويل.
ووجه آخر يشبه أن يكون أقرب منه : وهو أن قوله : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٤٨١) ، وعن أبي رزين أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٨).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٧٨٣) و (٢٧٤٨٤) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٨).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٤٧٣) و (٢٧٤٧٤) ، والفريابي وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤٧).