وأما أهل التأويل فإنهم يقولون : يؤتون أجرهم مرتين : مرة بإيمانهم بمحمد قبل أن يبعث ، ومرة بإيمانهم بعد ما بعث ، والأول أشبه.
وقال بعضهم : (يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) بما صبروا : مرة بإسلامهم ، ومرة بما صبروا ، وحلموا على أذى أولئك الكفرة ، ولم يكافئوهم ، بل خاطبوهم بخير حيث قالوا : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٥].
وروي في بعض الأخبار عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل آمن بنبي ثم إذا بعث نبي آخر آمن به ، ومملوك لرجل يخدمه ويحسن خدمته ويعبد ربه ، ورجل ربى جاريته ثم أعتقها فتزوجها» (١).
وقوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) : هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : يحسنون إليهم بعد إساءتهم إليهم وأذاهم إياهم على ما كانوا يفعلون ويصنعون إليهم قبل ذلك.
والثاني : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي : يعفون عن أذاهم ولا يكافئونهم فيكون كقوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ...) الآية [الأعراف : ١٩٩] ، والأول كقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤].
وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي : ينفقون في حق الله وسبيل الخير ، وإلا كل كافر ينفق كقوله : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ ...) الآية [آل عمران : ١١٧].
وقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا) : هذا ـ أيضا ـ يحتمل وجهين :
إذا سمعوا منهم من الكلام ما يتأذون من كلام اللغو والأذى والفرية ، أعرضوا عنه ، أي : لم يكافئوهم لأذاهم.
والثاني : إذا سمعوا ما يلغون به من الباطل أعرضوا ، أي : لم يخالطوهم فيما هم فيه ؛
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٢٥٨) كتاب العلم ، باب : تعليم الرجل أمته وأهله (٩٧) ومسلم (١ / ١٣٤ ، ١٣٥) ، كتاب الإيمان باب : وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم (٢٤١ / ١٥٤) ، والحميدي (٧٦٨) ، وأحمد (٤ / ٣٩٥ ، ٣٩٨ ، ٤٠٢) ، وأبو داود (١ / ٦٢٦) ، كتاب النكاح ، باب : في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها (٢٠٥٣) ، والترمذي (٢ / ٤٠٩) ، كتاب النكاح ، باب : ما جاء في الفضل في ذلك (١١١٦) ، والنسائي (٦ / ١١٥) ، كتاب النكاح ، باب : عتق الرجل جاريته ثم يتزوجها ، وابن ماجه (٣ / ٣٨٠ ، ٣٨١) ، كتاب النكاح ، باب : الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها (١٩٥٦) ، والبغوي في شرح السنة (١ / ٨٨) ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها ، فله أجران».