مَعَكَ) على أنهم عرفوا أن ما جاء به رسول الله ويدعوهم إليه هو الهدى ، حيث قالوا : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ).
وقوله : (نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) : يخرج قولهم هذا على وجهين :
أحدهما : أن نهلك ونفنى جوعا إذا خالفنا أهل الآفاق في الدين ؛ لأن أرزاقهم وما به قوام أبدانهم إنما يحمل ويمار من الآفاق ، فيقولون : إنا إذا اتبعنا الهدى معك وخالفنا في الدين أهل الآفاق ، منعونا الميرة فنهلك ونموت جوعا ؛ فذلك تخطفهم من الأرض.
والثاني : قالوا ذلك مخافة أن يغزوا ويؤسروا أو يقتلوا إذا خالفوا أهل الآفاق والأطراف في الدين واتبعوا الهدى مخافة الأسر والقتل ، فأجابهم الله وردّ عليهم اعتلالهم في الوجهين ، فقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) يقول ـ والله أعلم ـ : إنا جعلناهم في الحرم آمنين ، وما يمتار إليهم من أنواع الثمرات باللطف لا بموافقة الدين ؛ ألا ترى أنهم مع موافقة الدين كانوا يتخطفون الناس منهم ؛ حيث قال في آية أخرى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [القصص : ٥٧] أخبر أنهم مع موافقتهم في الدين يتخطفون ؛ دل أنه إنما جعل لهم الحرم مأمنا والميرة إليهم باللطف لا بالموافقة في الدين ؛ حتى لا يتعرض لأهل الحرم في الحرم ولا خارجة بشيء منه ، ولا يتعرض ـ أيضا ـ من دخل الحرم بشيء ؛ ليعلم أنه إنما كان كذلك باللطف من الله لا بالموافقة في الدين.
والثاني : أنه مع ما كانوا يعبدون الأصنام دون الله فيه لا يمنعهم الرزق ويؤمنهم فيه ، فلأن يفعل ذلك بهم عند عبادتهم لله وتركهم عبادة غيره أحق أن يرزقوا ويأمنوا فيه.
وقوله : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) : قال أهل التأويل : (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي : من كل جنس ونوع من الثمرات يجيء إليه.
وظاهره : أن يجيء إليه من [كل] شيء أرفعه وأنفعه وذلك ثمرته ؛ لأن ثمرة كل شيء أرفعه وأنفعه ، يقال : ثمرة الشيء كذا وثمرة هذا الكلام كذا ، أي : ما ينتفع من هذا : هذا ، والله أعلم.
وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي : ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ما يحمل إليهم من الآفاق ، ويجيء إليهم من الثمرات والأطعمة إنما هو باللطف لا بموافقة الدين ؛ وكذلك لا يعلمون أن أمنهم فيه باللطف لا بموافقة الدين ، والله أعلم.
وقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) : قال بعضهم : كفرت معيشتها.