القريات اللاتي هن حول مكة ، لا يهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا.
قيل : في أعظمها ـ وهي مكة ـ رسولا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) ، فإن كان هذا ؛ فيكون الإهلاك لها الانتزاع من أيديهم ، وجعلها في أيدي أهل الإسلام على ما كان ؛ لأن الله كان يفتح على رسوله قرية فقرية وبلدة فبلدة ، حتى جعل الكل في أيدي المسلمين ، وهو ما قال : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) [الرعد : ٣١] وهو وعد فتح مكة ، وذلك إهلاكهم.
والثاني : جائز أن يكون هذا في كل القرى وجميع الرسل : أنه كان لا يهلكها بالكفر نفسه ، حتى يبعث في أكبرها وأعظمها ـ وهي المصر ـ رسولا يتلو عليهم آياته ، وذلك يشبه قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥].
وإنما ذكر بعث الرسول في أمها ؛ لأنه إذا بعث الرسول في أعظمها ـ وهو المصر ـ ينتشر وينتهي إلى الآفاق والصغائر منها والقرى ؛ لما أنهم يدخلون المصر لحوائجهم ؛ فيتهيأ للرسول تلاوة الآيات عليهم والدعاء لهم ، وإذا كان في بعض القرى لا يتهيأ لهم ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) أي : معاندون مكابرون ، لا نهلكهم إهلاك تعذيب بنفس الكفر في الدنيا ، حتى يكون منهم العناد والمكابرة ، إنما يعذبون عذاب الكفر في الآخرة وهو عذاب الأبد.
وقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) : إنهم كانوا يتفاخرون بما أوتوا من السعة ومتاع الحياة الدنيا ، وأهل الزهد والتقوى آثروا الباقي الموعود في الآخرة على متاع الحياة الدنيا وزينتها ؛ ولذلك قال : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، فجواب هذا أن يقال : بل الموعود الحسن الملاقى بالذي له عاقبة خير من المتاع الفاني الذي ليست له عاقبة ، لكنه لم يذكر له جوابا ، فجوابه ما ذكرنا.
ثم كل استفهام كان من الله فهو على الإيجاب في الحقيقة ليس على الاستفهام.
وقوله : (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي : يحضرون في النار.
وقيل (١) : من المحضرين ، أي المعذبين ، وكلاهما واحد.
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٧٥٤٢) ، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٥٥).