وما لم يشأ لم يكن) ، وبكتاب الله ما ذكر في غير آي من القرآن (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ١٤٢] وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦] ، وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] ، وقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ ...) الآية [يونس : ٩٩] ، وأمثاله مما لا يحصى من الآيات ، فلئن كان لهم ذلك إنما يكون بما ذكرنا لا بقولنا.
وأصله : أنه لا يكون لهم هذا النوع من الاحتجاج ؛ لأنهم وقت فعلهم لا يفعلون بأن الله شاء ذلك لهم أو قضى وكتب ذلك عليهم ، وهم يودون ويحبون وقت فعلهم أن يشاء الله ذلك منهم ويرضى ، فإذا كانوا وقت فعلهم لا يفعلون لذلك ، فكيف يكون لهم الحجاج على ما كانوا عليه يفعلون لا لذلك؟!
لكن هذا منهم تعليم الكذب لهم ليكذبوا بين يدي رب العالمين على ما ذكر.
وأصل قولنا في هذا : أنا نقول : إنه شاء من كل ما علم أنه يكون منه ويختار ، وكذلك قضى وكتب على كل ما علم أنه يكون منه ؛ إذ لا يجوز أن يشاء منه خلاف ما علم أنه يكون ؛ لأن فيه أحد وجهين :
إما الجهل بالعواقب.
وإما العجز فيه.
وذانك عن الله منفيان ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأصلهما : ما روي عن أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أنه قال : بيننا وبين القدرية حرفان :
أحدهما : أنا نقول لهم : إن الله علم ما يكون أنه يكون ، فإن قالوا : لا ، كفروا ؛ لأنهم جهلوا الله ، وإن قالوا : بلى ، فيقال لهم : وشاء أن يكون ما علم أنه يكون ، فإن قالوا : لا ، كفروا ؛ لأنهم يقولون : شاء أن يجهل ، وذلك كفر ، وإن قالوا : بلى شاء ذلك ، لزمهم قولنا في المشيئة والإرادة لله في ذلك.
قال أبو عوسجة والقتبي (١) : (فَعَمِيَتْ) بالتخفيف ، أي : خفيت ، و (فَعَمِيَتْ) بالتشديد ، أي : أخفيت.
وقوله : (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي : فأما من تاب ، أي : رجع عما كان فيه من الشرك والكفر ، وآمن بالذي دعاهم الرسل وأجابهم ، وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه.
(فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) : يحتمل رجوع (فَعَسى) إلى ذلك الرجل الذي نعته ، يقول : على رجاء القبول والفلاح يفعل ما يفعل من التوبة والعمل الصالح.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٣٤).