منهم» (١) ، فإن ثبت هذا كان تفسيرا له لا يحتاج إلى غيره.
والنادي : قال أبو عوسجة : المجلس ، وأندية جماعة ؛ وكذلك قال القتبي (٢).
قال أبو معاذ : الندي والنادي لغتان ، فجمع النادي : أندية ، وجمع الندي : ندى وندي (٣) ؛ كقراءة بعض الناس في سورة مريم : (أَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم : ٧٣] أي : مجالس ، وقراءة العامة : (نَدِيًّا) مجلسا ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) : ظاهر هذا أنه سيئ بالواقع من الفعل بهم ، لكن ساء ظنه أنهم يفعلون بهم لما يعلم من قومه الخبيث من العمل (٤).
(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) هذه كلمة تتكلم بها العرب عند انقطاع جميع الحيل ، فلوط إنما قال ذلك لما لم ير لنفسه حيلة يدفع بها شرهم ، وما قصدوا بهم ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠].
(وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) هذا يدل على أنهم قد قصدوا هم لوطا بالهلاك ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) [هود : ٨١] دل هذا أنهم قد قصدوه بالهلاك حتى قالوا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) وأنهم إنما أرادوا بالإخراج بقولهم : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١٦٧] إخراج قتل ؛ إذ لو كان إخراجا من القرية لا بقتل ، لكان لا يكون له النجاة منهم والأمن ، والله أعلم.
وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) وفي بعض الآيات : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [الحجر : ٦٠] والغبور فعلها ، ثم أخبر أنه قدر ذلك ؛ دل أن أفعال العباد مخلوقة لله مقدرة له ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي : عذابا ، والرجز : اسم كل عذاب فيه شدة ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) [هود : ٧٧] أي : شديد.
ثم ذكر أنه ينزل من السماء ، فإن ثبت ما ذكر أن جبريل أدخل إحدى جناحيه تحت الأرض فرفع بها قريات لوط إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياحهم وضجتهم ، ثم أرسلها ـ فهو نزول العذاب من السماء ، وأن قوله : (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود : ٨٢] أن السجيل لو كان مكانا منه ينزل فهو في السماء ؛ على ما يقول بعض الناس إنه مكان.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٣٨).
(٣) ينظر : اللباب (١٥ / ٣٤٤ ، ٣٤٥).
(٤) ثبت في حاشية أ : من العمل الخبيث ، وقد رآهم في حسن المنظر ؛ فكره حضورهم ؛ لكيلا تلحقهم من جهتهم سوء ، وضاق بهم. شرح.