(لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١٦٧] ، هذه الآيات في الظاهر بعضها مخالف لبعض ؛ لأنه يقول في بعضها : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) ، وفي بعضها : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [الأعراف : ٨٢] ، وفي بعضها : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [النمل : ٥٦] ـ فهو يخرج على وجوه :
أحدها : أن يكون قوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، و (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ) [النمل : ٥٦] إنما ذلك فيما بينهم يقول بعضهم لبعض : أخرجوهم ، وقوله : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) إنما قالوا ذلك للوط ، فإذا كان كذلك فليس في الظاهر فيه خلاف.
والثاني : فما كان جواب قومه في مشهد وفي وقت إلا كذا ، وقد كان منهم له أجوبة أخر سواها في غير ذلك المشهد وفي غير ذلك الوقت.
أو أن يكون قوله : فما كان آخر جواب قومه إلا أن قالوا : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بنزول العذاب علينا ، إنما قالوا ذلك له استهزاء وتكذيبا.
ثم دعا لوط ربه فقال : (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) فأجيب.
وقوله : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) : يحتمل البشرى : بشارة بالولد في كبر سنه وسن زوجته ما لم يطمع من أمثالهما الولد إذا بلغوا ذلك الوقت ، وهو ما ذكر : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ٧١]. ويحتمل غيره.
(قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ).
وقال في آية أخرى : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٠] ، ولم يذكروا فيه بم أرسلوا؟ وبين في هذا ، ثم قال إبراهيم : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) ففي الآية الدليل من وجهين :
أحدهما : يخرج الخطاب على العموم والمراد منه الخصوص ؛ لأن الملائكة قالوا عامّا : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ، ولم يكن الأمر بإهلاك كل أهل القرية ، ثم استثنوا لوطا وأهله بعد ما قال إبراهيم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) حيث قالوا : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ).
والثاني : فيه جواز تأخير البيان حيث لم يبينوا إلا بعد سؤال إبراهيم إياهم.
وفيه وجه آخر في امتحان الملائكة بمختلف الأشياء ؛ لأن هؤلاء أمروا بالبشارة ، وأمروا بإهلاك قوم لوط ؛ ليعلم أنهم يمتحنون بمختلف الأشياء ، والله أعلم.
وقوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) : روي عن أم هانئ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في قوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال : «كانوا يحذفون أهل الأرض ويسخرون