الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ)(٤٥)
والعنكبوت : هذه التي تغزل ، وهي دويبة كثيرة القوائم ، وعناكب : جمع.
وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) يشبه أن يكون ضرب مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ببيت العنكبوت هم الرؤساء منهم والمتبوعون. يقول ـ والله أعلم ـ : مثل اتخاذكم أولئك أولياء من دون الله وما تأملون منهم كمثل بيت العنكبوت ، لا ينفع ولا يغني ما يؤمل من البيت من دفع الحرّ والبرد وغيره ، فعلى ذلك اتخاذكم واتباعكم هؤلاء أولياء من دون الله مثل ما ذكر ، لا ينفع ولا يغني ولا يدفع عنكم ما ينزل بكم ، وهو ما قال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ...) الآية [العنكبوت : ٢٥] ، ظاهر ما ذكر من الأولياء أن يكون المتبوعون منهم.
وجائز أن تكون الأصنام التي اتخذوها آلهة ، ضرب مثل عبادتهم الأصنام واتخاذهم إياها آلهة ببيت العنكبوت ، وذلك أن العنكبوت اتخذت البيت رجاء أن تنتفع به كما ينتفع بالبيوت في دفع الحر والبرد ، والستر والحجاب ، فلما أن وقعت الحاجة إليه لم تنتفع ما كان تأمل منه في شيء مما كانت تأمل ، فعلى ذلك هؤلاء الذين اتخذوا الأصنام آلهة ومعبودا ؛ رجاء أن ينفعهم ذلك يوما ، فلما أن وقعت لهم الحاجة لم يجدوا ما كانوا يأملون من عبادتهم إياها واتخاذهم آلهة ؛ بل في بيت العنكبوت للعنكبوت شيء من المنفعة ، وليس لأولياء العبدة لتلك الأصنام شيء مما كانوا يأملون ، فهي دون بيت العنكبوت في المنفعة ، لكنه ـ والله أعلم ـ ضرب مثلها ببيت العنكبوت ؛ لما لا شيء أوهن وأضعف عند الخلق من بيتها ، وهو ما شبه أعمال الكفرة برماد اشتدت به الريح ، وبسراب بقيعة ؛ لما ليس شيء أضيع ولا أبعد في الوجود والقدرة عليه في الوهم مما ذكر ؛ فيشبه أعمالهم به ، فعلى ذلك تشبيه اتخاذ أولئك الأصنام آلهة وأولياء من دون الله ببيت العنكبوت ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) أي : أضعف وأبعد من المنفعة بيت العنكبوت ، فعلى ذلك عبادتهم الأصنام واتخاذهم إياها معبودا أوهن وأبعد مما يأملون (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي : إن كانوا يعلمون ضعفها وعجزها ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [هو] ـ والله أعلم ـ : أن الله لم يزل عالما بما يكون منهم من اتخاذهم الأصنام معبودا ، وأنه عن علم أنشأ لهم ذلك لا عن