عبثا باطلا ، وهو ما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ٢٧] لا كافر يظن أنه خلقهما باطلا ، ولكن تركوا الإيمان بالبعث وأنكروا البعث ؛ كأنهم ظنوا أنه خلقهما باطلا ؛ إذ لو لا البعث كان خلقهما باطلا عبثا فإنما صار خلقهما حقّا وحكمة بالبعث ، فإذا أنكروا ما به صار خلقه إياهما حكمة وحقّا ـ فقد ظنوا الباطل بخلقهما ، فنسأل الله التوفيق والصواب.
ويحتمل قوله : إنه خلقهما ؛ لتدلا على الحق ؛ لأنهما تدلان على وحدانية الله وربوبيته وتعاليه عن الأشباه والشركاء وجميع الآفات.
أو أن يكون بالحق الذي لله عليهم.
أو بالحق الذي لبعضهم على بعض ، والله أعلم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) صير آية لمن أقر بها وآمن ؛ إذ هو المنتفع بها ، فأمّا من أنكر وجحد وكذبها فهو آية عليه لا له ، والله أعلم.
وقوله : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ) جائز أن يكون قوله : اتل ما أوحي إليك من الكتاب ، وأقم به الصلاة أي : بالكتاب الذي أوحي إليك.
ويحتمل : اتل ما أوحي إليك من الكتاب عليهم ، وأقم بهم الصلاة ؛ فالخطاب وإن كان لرسول الله فهو لكل أحد ؛ على ما ذكرنا في سائر المخاطبات ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) ، هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : على الامتنان.
والثاني : على الإلزام.
فأما وجه الامتنان : فهو أن جعل لكم الصلاة لتمنعكم عن الفحشاء والمنكر ما لو لم يجعلها لكم لا شيء يمنعكم عن الفحشاء والمنكر ؛ فيمنّ عليهم بجعل الصلاة لهم ؛ لما تمنعهم عما ذكر.
وأما وجه الإلزام : فإنه يخرج على وجهين :
أحدهما : أن الصلاة لو كان موهوما منها النطق والنهي ، لكانت تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛ على ما أضاف التغرير والتزيين إلى الحياة الدنيا ؛ أي : لو كان هذا الذي كان من الدنيا ، كان ممن له التغرير ـ كان ذلك تغريرا ؛ فعلى ذلك الصلاة لو كان منها حقيقة الأمر والنهي لكانت تنهى عن الفحشاء والمنكر.
والثاني : أضيف النهي إلى الصلاة ؛ لما بها يعرف ذلك ، فقد تضاف الأشياء إلى الأسباب وإن لم يكن منها حقيقة ما أضيف إليها ؛ نحو ما يضاف الأمر والنهي إلى الكتاب