لذلك ، (وَرَحْمَةً) أي : يرحم بعضهم بعضا ، ويتحنن إليه ، إذا نزل بواحد منهما ما يمنع قضاء الشهوة والحاجة.
والثاني : يودّ بعضهم بعضا ويرحم بالطبع والخلقة ؛ إذ كل ذي طبع يودّ شكله وجنسه إذا كان في حال السعة والرخاء والسرور ، ويرحمه إذا نزل به البلاء والشدة ؛ هذا معروف عند الناس أن يتراحم بعضهم على بعض في حال نزول البلاء والشدة ، وتوادهم في حال السعة والسرور.
وقال الحسن (١) : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً) أي : الجماع (وَرَحْمَةً) أي : الولد.
فكيفما كان فهو يخبر عن لطفه ومنته ؛ حيث جعل بين الزوج والزوجة المودة والرحمة على عدم القرابة والرحم ، وبعد ما بينهما ؛ فصارا لما ذكرنا في المودة والرحمة كالقريبين وذوي الرحمين وأقرب القريب ، وذلك على المعتزلة ؛ لأنه أخبر أنه (جَعَلَ) : بينهم مودة ورحمة ، وذلك فعل الزوجين في الظاهر ، ثم أضاف ذلك إلى نفسه ، وأخبر أنه (جَعَلَ) دل أن له صنعا في ذلك ؛ فيبطل قولهم : إن ليس لله صنع في فعل العباد ، ويبطل اللطف الذي ذكر أنه جعل بينهم (٢).
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) لما ذكرنا من آيات وحدانيته وربوبيته ، وآيات البعث والنشور ، أو آيات الرسالة والنبوة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لقوم ينتفعون ، وهم المؤمنون ، أو (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ويتدبرون ويعتبرون ، فيعرفون ، فأما من لا يتفكر ولا يتدبر فلا ينتفع به ، فهو ليس بآيات له ، والله أعلم.
وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ) : [آيات] وحدانيته وربوبيته وألوهيته ، وآيات بعثه.
وقوله : (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في خلق السموات ورفعها في الهواء وإقرارها فيه آية ؛ لأنه غير موهوم مثله من فعل الخلق وقدرتهم ، وهكذا خلق الأرض وبسطها وإقرارها على الماء ، أو على الريح خارج عن فعل الخلق ومن قدرتهم ، غير موهوم ذلك في أوهامهم وعقولهم من غير الواحد العالم القادر بذاته ، فإذا كان ما ذكر غير موهوم في أوهامهم وعقولهم من غير الله فهم إنما أنكروا البعث لما لم يعاينوا ذلك ولا شاهدوا في أوهامهم ، فكيف أنكروا البعث وإن كان غير موهوم ذلك في أوهامهم ، بعد أن كان ذلك موهوما من الله ، مشاهدا ، معاينا لمثل هذا؟! والله أعلم بذكر هذا.
__________________
(١) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٧).
(٢) ثبت في حاشية أ : وعلى زعمهم : ما جعل الله ذلك ، بل هم بأنفسهم يفعلون ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ...) إلخ. شرح.