وقوله : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) كأنه يقول : وفي خلق اختلاف ألسنتكم آياته أيضا ؛ لأن الألسن بحيث خلقة الألسن غير مختلفة ، ولكن إنما تختلف بحيث النطق والتكلم حتى لا يقع في التكلم بها والنطق والصوت تشابه بحال ، وخروجه عما يقدرون من الكلام ، وإن كانت بحيث خلقتها واحدة غير مختلفة.
وهذا على المعتزلة ؛ لقولهم : إن أقوال العباد غير مخلوقة ، لا صنع لله فيها ، فلو لم يكن له فيما يتكلمون وينطقون على اختلاف ذلك صنع ؛ فلا آية تكون له في ذلك ، فدل أنه صار آية له ؛ لما له صنع في ذلك ، وكذلك فيما تختلف الألوان بفعل يكون من الخلق وتتغير عند الغضب والسرور والفرح ، ثم أخبر أن ذلك آياته دل أنه خالق لأفعالهم وأقوالهم حتى كان آية له والله أعلم.
وأهل التأويل يقولون : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) : عربيّ ، وعجميّ ، ونبطي ، وتركي ، ونحوه (وَأَلْوانِكُمْ) : أبيض ، وأحمر ، وأسود ، ونحوه ، وأصله ما ذكرنا أن في ذلك لآيات للعالمين ؛ جائز أن يكون آيات لمن انتفع به من العالمين ، أو آية لمن تفكر وتدبّر من العالمين ؛ لأنه إذا تفكر وتدبّر عرف وجه الآية في ذلك.
وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لأن النوم يأخذهم من غير أن يعرفوا أنه من أين مأتاه ومأخذه ، ثم يأخذ منهم جميع منافع الأحياء : من السمع ، والنطق ، والفهم ، والرؤية ، وجميع ما تنتفع به قبل ذلك ، ثم يردّ ذلك إليهم من غير أن عرفوا بذلك فيعودون إلى ما كانوا من المنافع والأكساب ؛ ليعلم أن من قدر على مثل هذا يقدر على أخذ الروح ونفسه وردّه إليه ، فهو أخو الموت ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام : ٦٠] سمّى النوم : الوفاة ، وهو مثله ؛ لما ذكرنا أن جميع منافع الأحياء ترتفع وتزول بالنوم ثم ترد إليهم من غير أن يشعروا بذلك ، فمن قدر على هذا يقدر على الإحياء بعد الموت.
وقوله : (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) جهة الآية فيما ينتفعون من فضله هو خلقه تلك المكاسب والتجارات والحرف التي يبتغون بها الرزق ؛ أخبر أنه خلق ذلك منهم ؛ ففيه دلالة خلق أفعال العباد ؛ فهو على المعتزلة ؛ لإنكارهم خلق أفعالهم.
أو أن تكون جهة الآية فيه ما عرفهم تلك المكاسب والتجارات والحرف ، وعلمهم إياها وأحوجهم إليها ؛ ليصلوا إلى منافعهم ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) يحتمل قوله : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي : ينتفعون بسمعهم ، أو لقوم يجيبون.