النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(٣٢)
وقوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حرف «من» إنما يتكلم به ويعبّر عمّن له الملك والتدبير والتمييز ، وحرف «ما» عن ملك الأشياء نفسها ، فإذا كان من له الملك في الشيء والتدبير والأمر له فالأملاك أحق أن تكون له.
يخبر ـ والله أعلم ـ عن غناه وسلطانه وقدرته ، أي : من له ما ذكر في السموات والأرض لا يحتمل أن يمتحنهم ويأمرهم بأنواع العبادات والطاعة لحاجة نفسه ؛ إذ هو غني عن ذلك ، ولكنه إنما يمتحن ويأمرهم بأنواع العبادة وأنواع المحن لمنافع أنفسهم وحاجاتهم ومصالحهم ، فإذا كان له ما ذكر من الملك لا يحتمل أن يعجزه شيء أيضا.
وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) قال بعضهم : القنوت : القيام ، والقانت : القائم ، فإن كان هذا فتأويله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : قائم بتدبيره وأمره في الوجود والعدم ، والابتداء والإعادة ، وفي كل حال : إن أوجد وجد ، وإن أعدم صار معدوما ، وإن أحياه حيي ، ونحوه ، في كل حال يقوم بتدبيره وأمره.
وقال بعضهم (١) : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : مطيعون ، فإن كان على هذا ونحوه فهو في كل حال يقوم بتدبيره وأمره.
وقال بعضهم : (٢) (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : مطيعون ، فإن كان على هذا فهو على طاعة الخلقة له ، والشهادة لله بالوحدانية والربوبية ، والتدبير له ، والعلم في ذلك ؛ لأن الله جعل في خلقة كل أحد ، وكل شيء ، وفي صورته ما يشهد له بالوحدانية والربوبية ، ويدل على تدبيره وعلمه وحكمته ، فكل له قانت ومطيع بالخلقة والصنعة.
وقال بعضهم : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : خاضعون ، فهو يرجع إلى حال دون حال ، وهو حال الخوف والضرورة ، يخضع له كل كافر ومشرك في تلك الحال ، وهو ما أخبر عنهم من الخضوع له إذا ركبوا الفلك ؛ حيث قال : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [يونس : ٢٢] وقولهم : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس : ٢٢] ونحو ذلك من الأحوال التي كانوا يخضعون له ويطيعون ، والله أعلم.
وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) لا يحتمل أن يخلقهم وينشئهم لحاجة نفسه ، أو لمصلحته ؛ لأنه غني بذاته ، أو يمتحنهم لمنفعة نفسه ، أو يأمره لذلك ، ولكن
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٣٦).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٣٥).