إنما يبدئ ويعيد لحاجة أنفسهم.
أو يخبر أن من قدر على ابتداء الشيء يملك إعادته.
(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) اختلف فيه :
قيل : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هيّن ابتداؤه وإعادته ؛ كقوله : (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [التغابن : ٧] وقوله : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [مريم : ٩] ، ويجوز العبارة بأفعل عن فعيل ؛ نحو ما يقال : الله أكبر ؛ أي : كبير ، وأعظم بمعنى : عظيم ، ونحوه كثير ؛ فعلى ذلك قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي : عليه هيّن ؛ إذ ليس شيء أصعب على الله من شيء ، أو شيء أهون عليه من شيء ؛ بل الأشياء كلها بمحل واحد داخل تحت قوله : (كُنْ) وإنما يقال : أهون وأيسر ، لمن كان فعله بسبب ، فيهون عليه إذا كثرت الأسباب ، ويصعب عليه ذلك إذا قلت وضعفت ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهو الفاعل للأشياء ، وصانعها ، والقادر عليها بسبب وبلا سبب ، فلا جائز أن يقال شيء أهون من شيء ، وإنما يجوز ذلك فيمن كان فعله لا يكون إلا بسبب.
وقال بعضهم (١) : قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) في عقولكم ، وتدبيركم ، وتقديركم ؛ أي : إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من ابتدائه ؛ لأن الخلق لا يملكون تصوير ما لم يسبق له المثال والتصور ابتداء ، وقد يملكون تصوير الأشياء وتمثيلها إذا سبق لهم مثال رأوه وشاهدوه ؛ فثبت أن إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من ابتدائه ، فإذا عاينتم وأقررتم : أنه قادر على ابتدائه فهو على إعادته أملك وأقدر ، ولا قوة إلا بالله.
وقال بعضهم (٢) : قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) يعني : على ذلك الشيء ؛ أي : إعادة ذلك الشيء أهون على ذلك الشيء من ابتدائه ؛ لأنه في الابتداء ينقله ويحوّله من حال النطفة إلى حال العلقة ، ثم من حال العلقة إلى حال المضغة ، ثم [من] حال المضغة إلى حال التصوير والنسمة إلى ما ينتهي إليه ، حتى يصير خلقا وصورة ، فيخبر أن إعادته ليس على هذا التقدير والتحويل من حال إلى حال ، ولكن كما ذكر : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧] وقوله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠] وقوله : (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٢٩] ونفخة ودعوة وما ذكر ، فالإعادة لذلك الشيء أهون على ذلك الشيء من الابتداء.
وقوله : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له الصفات العالية ، ثم هو يخرج على وجوه :
__________________
(١) قاله الضحاك ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٧).
(٢) قاله مجاهد وعكرمة وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٧٩٤١) و (٢٧٩٤٢) و (٢٧٩٤٤) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٩٧).