أحدها : أن كل موصوف بالعلو والرفعة من دونه فهو الموصوف به في الحقيقة ؛ على ما ذكرنا أن كل من حمد دونه ؛ فذلك الحمد له في الحقيقة راجع إليه ، ذلك كقوله : (لَهُ الْحَمْدُ ...) الآية [القصص : ٧٠].
والثاني : له الصفة العالية مما يخالف صفات الخلق وشبههم كقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] : لا تشبه صفاته صفات المخلوقين ، ولا اشتبهت صفات الخلق صفاته ، وهو ما قاله بعض أهل التأويل : الذي لا مثل له ولا شبه ، لا إله إلا هو ، واحد لا شريك له.
والثالث : وله الصفات العالية مما لا يضاد بعضها بعضا : عالم لا جهل فيه ، قادر لا عجز فيه ، عزيز لا ذل فيه ، وأمثال ذلك مما لا يدخل في ذلك نقصان أو عيب بوجه من الوجوه ، ليس كالخلق أنهم يوصفون بالعلم بجهة وبشيء وبالجهل بجهة أخرى وبشيء آخر وبالقدرة بجهة أخرى وبشيء آخر ، وبالعجز بجهة أخرى وبشيء آخر ، وبالعز بجهة أخرى وبشيء آخر ، وبالذل بجهة أخرى وبشيء آخر.
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ موصوف بصفات لا يضاد بعضها بعضا ولا يدخل في ذلك نقصان بجهة من الجهات ، وفي حال من الأحوال ؛ لأنه بذاته موصوف بذلك لا بغيره ولا بسبب ، وأما غيره فإنما يوصفون بذلك بأسباب وباعتبار يكون لهم ؛ لذلك كان ما ذكر ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : الذي لا يلحقه الذل والضرر بمخالفة خلقه إياه وعصيانهم له ، ليس كملوك الأرض إذا خالفهم أتباعهم وحواشيهم ورعيتهم يذلون ويلحقهم الضرر بإعراضهم عنهم ؛ لأن عزهم كان بهم ، فبإعراضهم عنهم ومخالفتهم إياهم يذلون ، فأما الله ـ سبحانه ـ [فهو] عزيز بذاته ، لا يلحقه الضرر والذل بمخالفة الخلق إياه.
أو أن يكون قوله : (الْعَزِيزُ) المنتقم عمن يخالف أمره ويعصيه أو يشرك غيره في ألوهيته وربوبيته.
والحكيم : هو الذى لا يلحقه الخطأ في التدبير.
يخبر ـ والله أعلم ـ : أني وإن خلقتهم وأنشأتهم على علم مني أنهم يخالفونني ويعصونني ، وأعنتهم بكل أنواع المعونة ، على علم مني بذلك منهم ؛ فإن فعله ليس بخارج عن الحكمة كما يكون في الشاهد أن من أعان عدوه بأنواع المعونة ، وهو يعلم أن معونته إياه تزيد له قوة في معاداته وعصيانه ومخالفته ـ هو موصوف بالسفه غير موصوف