بالحكمة ؛ لأنه يسبق في إهلاك نسفه ، ويعينه على ذلك بمعونته إياه ، ومن يسعى في إهلاك نفسه ، فهو غير حكيم.
فأما الله ـ سبحانه ـ حيث خلقهم وأنشأهم وأعانهم بكل أنواع المعونة على علم منه بما يكون من الخلاف له والعصيان والمعاداة غير خارج فعله عن الحكمة ؛ لما ذكرنا أنه لا يلحقه الضرر ولا النقصان بما علم ويكون منهم من الخلاف له والعصيان والمعاداة ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) قال بعضهم : ضرب لكم مثلا.
من مثل خلقكم ، يقول ـ والله أعلم ـ : يبين لكم مثلا من أنفسكم : ما لو تفكرتم وتأملتم ، لظهر لكم سفهكم بعبادتكم الأصنام دون الله ، أو تسميتكم الأصنام بالله.
ثم يخرج ضرب المثل بما ذكر على وجوه :
أحدها : قوله : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) ، أي : لم تسووا أنتم أنفسكم بالذي ملكت أيمانكم فيما رزقتم حتى تكونوا أنتم وهم سواء في ذلك ؛ فكيف زعمتم أن الله قد سوى نفسه وما ملك من خلقه في ملكه وألوهيته؟!
والثاني يقول : هل ترضون أن يكون ما ملكت أيمانكم شركاءكم فيما تملكون من الأموال؟! فإذا لم ترضوا به ، فكيف زعمتم أن الله يرضى أن يشرك مماليكه في ملكه وسلطانه؟!.
أو يقول : فإن لم ترضوا لأنفسكم إشراك ما ملكت أيمانكم في ملككم ، ولم تسووا مماليككم بأنفسكم في ذلك ، فكيف رضيتم ذلك لله ، وسويتم نفسه ومماليكه ، وعدلتم به من دونه؟! والله أعلم.
وقوله : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ).
أي : تخافون مماليككم كما تخافون أحرارا أمثالكم.
وقال بعضهم : تخافون لائمتهم كما يخاف الرجل لائمة أبيه وأخيه وأقاربه.
وبعضهم (١) يقولون : تخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت ، كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم ، وهو قول مقاتل لكن الميراث ليس من الآية في شيء ، والأول أشبه.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٧٩٤٩).