وفي قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) دلالة أن العبد لا يكون له حقيقة الملك في الأشياء كالأحرار ؛ لأنه أخبر أنهم ليسوا هم بسواء في الشرك فيما رزق السادات وملكوا ، على العلم أنهم يشتركون جميعا في المنافع ؛ دل أنهم يملكون منافع الأشياء ويشتركون مع الأحرار فيها ، ولا يملكون حقيقة الإملاك ، وكذلك يدل قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ...) [النحل : ٧٥] أنه لما نفى عنه القدرة على شيء ـ والله أعلم ـ يكون تأويل قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور : ٣٢] ، أي : يغنهم الله من فضله بالمنافع ، لا بحقيقة ملك الأشياء ، والله أعلم.
وقوله : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ).
أي نبينها.
(لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
أي : لقوم ينتفعون بعقولهم.
والثاني : قوله : (نُفَصِّلُ الْآياتِ) ، أي : نفرق واحدة بعد واحدة ، على ما ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع من قوله : (وَمِنْ آياتِهِ) كذا ، (وَمِنْ آياتِهِ) كذا ، والتفصيل يخرج على وجهين :
أحدهما : التبيين.
والثاني : التفريق في الذكر ، فصلت آياته : بينت ، وفصلت : فرقت واحدة بعد واحدة.
فإن قال لنا قائل في هذه الآيات التي ذكرت : ما يدل على إيجاب البعث؟ قيل : في هذه [الآيات] التي ذكرت دفع الشبه التي لها أنكروا البعث ؛ لأنهم رأوا البعث ممتنعا بالشبهة التي اعترضت لهم ؛ ففي هذه الآيات دفع تلك الشبهة التي لها رأوا البعث ممتنعا ، حيث أراهم بدء خلقهم وقيام السماء والأرض بالذي ذكر.
ثم إيجاب البعث يكون بالأخبار الصادقة ، وهي أخبار الرسل الذين ظهر صدقهم ، أو بما ذكرنا : أن خلق الخلق بلا عاقبة تجعل لهم للفناء خاصة خارج عن الحكمة ؛ لوجوه :
أحدها : ما ذكرنا أن بناء البناء في الشاهد للنقض والإفناء خاصة بلا منفعة تتأمل في العاقبة سفه خارج عن الحكمة ؛ فعلى ذلك خلق الخلق للفناء خاصة بلا عاقبة يكون خارجا عن الحكمة.
والثاني : أنه لو لم يجعل البعث ودارا أخرى ؛ ليفرق بين العدو والولي مع ما قد سوى بينهما في هذه الدار ، وفي الحكمة أن يفرق ولا يسوي بينهما ؛ فلو لم يكن دار أخرى فيها