يفرق لكان ذلك خارجا عن الحكمة.
والثالث : في الحكمة أن يجزي المحسن لإحسانه والمسيء في إساءته ، وقد يكونان في هذه الدنيا ويخرجان منها لا يصيب المحسن جزاء إحسانه ، ولا المسيء جزاء إساءته ؛ فلا بد من دار أخرى ؛ ليجزى فيها كل بعمله ، وفيما ذكرنا إيجاب البعث ، والله أعلم.
وقوله : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ).
يحتمل قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، أي : ظلموا أنفسهم ؛ حيث لم يستعملوها فيما أمروا بالاستعمال فيه ؛ بل صرفوها إلى غير ما أمروا بالاستعمال فيه.
أو ظلموا حجج الله وآياته وبراهينه ؛ حيث لم يتبعوها ولم يضعوها موضعها حيث وضعت.
وقوله : (أَهْواءَهُمْ) في عبادتهم الأصنام ، وصرفها عن الله إلى من لا يستحق العبادة والشكر ؛ وذلك لهواهم ؛ لأنه ليس معهم حجة ولا برهان ؛ كقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : حجة وبرهانا.
وقوله : (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ).
أي : أأحد سوى الله يهدي من أضله الله؟ أي من يؤثر الضلال واختاره أضله الله ، لا يهديه سواه.
(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
ينصرونهم في دفع عذاب الله عن أنفسهم.
أو (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ، أي : من مانعين يمنعونهم عن عذاب الله ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً).
قال بعضهم (١) : هذا الخطاب لرسول الله ؛ لأنه ذكر الآيات فيما تقدم ؛ حيث قال : (وَمِنْ آياتِهِ) كذا وكذا ، ثم ذكر الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ، ثم قال لرسول الله : أقم وجهك أنت للدين حنيفا.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وعندنا أن الخطاب به وبمثله لكل أحد ؛ كقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١] ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ؛ كأنه يخاطب كل من انتهى إليه هذا أن قل : هو الله أحد ، و : يا أيها الكافرون ؛ فعلى ذلك قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) هو لكل أحد.
ثم الإقامة تحتمل وجهين :
أحدهما : أقم : أي : داوم جهدك وقصدك.
__________________
(١) قاله ابن جرير (١٠ / ١٨٢).