قال عامة أهل التأويل (١) : لا تبديل لدين الله ، سماه : خلقا.
وعلى قول المعتزلة : له تبديل ؛ لأنهم يقولون بأن فعل العبد ليس بمخلوق ، ويحتالون في قوله (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ، أي : لا تبديل لما به يقع الدعاء إليه ، أو كلام نحو هذا.
فيقال : إن الدين هو ما يدين المرء وهو فعله ، مأخوذ من دان ، يدين ، ثم أخبر أنه خلق الله ؛ فدل أنه مخلوق.
وجائز أن يكون قوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ، أي : لما فيه دلالة وحدانية الله وشهادة ربوبيته ؛ كقوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣].
أو لا تفاوت فيما فيه دلالة الوحدانية والشهادة له ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
أخبر أن ذلك الدين القيم بالحجج والبراهين ليس كدين أولئك الكفرة أتباع الهوى.
أو أن يكون الدين القيم ، أي : المستقيم على ما وصفه الله أنه الدين الحنيف.
وقوله : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ).
هو صلة قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ، فهذا يدل على أن الخطاب بقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) للكل ؛ حيث قال : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ، أي : أقبلوا إليه وأنيبوا له.
ثم الإنابة تقع فيما يقع به الأمر ، كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : أنيبوا إلى الله بما يأمركم به.
(وَاتَّقُوهُ).
عما نهاكم عنه ، والتقوى من الإنابة كهي من البر ، كقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا) [البقرة : ٢٢٤] بما يأمركم به ، وتتقوه عما نهاكم عنه.
وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).
هو يحتمل وجوها.
(أَقِيمُوا) أي : الزموا وداوموا فعلها إلى آخر ما تنتهون إليه ، ليس على أن يقع الأمر بها مرة واحدة.
والثاني : (أَقِيمُوا) أي : أتموها بركوعها وسجودها والقراءة وغير ذلك.
والثالث : (أَقِيمُوا) ، أي : وفوا إقامتها بأسبابها التي جعلت لها.
وفي الصلاة أحوال ثلاث :
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٧٩٥٥) و (٢٧٩٥٩) ، والفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر عنه كما ، في الدر المنثور (٥ / ٢٩٨) ، وهو قول عكرمة وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك ، وغيرهم.