للخلق في الدين. وقد أمر نبيه بمقاتلة الكفرة مطلقا ، ولعلهم يسلمون في وقت لو تركوا أو بعض منهم ؛ دل أن ليس ذلك عليه.
وقوله : (فَتَمَتَّعُوا) هو في الظاهر أمر ، ولكنه يخرج على الوعيد ؛ كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] ، وقد ذكر في آية أخرى : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) [العنكبوت : ٦٦] ؛ فهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ).
قال بعضهم : (أَمْ أَنْزَلْنا) : بل أنزلنا عليهم سلطانا وحججا ، فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ، أي : يبين ، ويعلمهم أن الذي هم عليه شرك ليس بتوحيد ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنا على التوحيد ، وإنما نعبد هذه الأصنام (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ونحوه ؛ فيقول : بل أنزلنا عليهم ما يبين ويعلم أن ذلك شرك وليس بتوحيد.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن قوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) ، أي : ما أنزلنا عليهم سلطانا فيأمرهم بما كانوا به يشركون أو يأذن لهم بذلك ؛ كقوله : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) [النجم : ٢٤] ؛ فعلى ذلك قوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) أي : لم ننزل عليهم سلطانا يأمرهم بما كانوا به يشركون ، أو كانوا يدعون بذلك أمر الله ؛ كقولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ، ففيه وجهان على أولئك الكفرة :
أحدهما : ما ذكرنا أنهم كانوا يدعون بذلك الأمر من الله ، فيخبر أنهم كذبة في قولهم بأن الله أمرهم بذلك ؛ بل لم يأمرهم بذلك ، ولا أنزل عليهم الكتاب أو السلطان في إباحة ذلك.
والثاني : يذكر سفههم في عبادتهم الأصنام ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام ، ويسمونها : آلهة ، بلا سلطان ولا حجة كانوا يطلبون على ذلك ، ثم كانوا يطلبون من الرسول آيات تقهرهم وتضطرهم على رسالته وما يوعدهم ، بعد ما آتاهم من الآية ما أعلمهم وأنبأهم أنه رسول ؛ فالعبادة أعظم وأكبر للمعبود من الرسالة ؛ فإذا لم تطلبوا لأنفسكم الحجة والآية القاهرة في إباحة ما تعبدون من دون الله فكيف تطلبون من الرسول الآية القاهرة في إثبات الرسالة؟!
وقال بعضهم : (١) (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) : كتابا فيه عذر لهم ، فهو يشهد بما كانوا به يشركون.
وقوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٧٩٧٥) ، وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠٠).