يَقْنَطُونَ).
إذا أريد أن يسوي بين هذه الآية والآية التي قبلها ، وهو قوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ...) إلى آخره ، ويجمع بينهما يكون قوله : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) : من الأصنام التي يعبدونها ؛ لأنه يقول في هذه الآية : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ، وفي الأولى يقول : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ؛ فوجه الجمع بينهما ما ذكرنا : أن يكون القنوط من الأصنام ، والله أعلم ؛ كقوله : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧].
أو أن يكون قوله : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) : عند ما امتد بهم الضرّ والشدة ؛ حينئذ ييئسون من رحمة الله ، والأول في ابتداء ما أصابهم من الضر فزعوا إليه وأنابوا له.
أو أن يكون إحدى الآيتين في قوم ، والأخرى في قوم آخرين ؛ لأنهم كانوا فرقا وأحزابا في الكفر والشرك : منهم من كان يشرك في الأحوال كلها : في حال الضيق والسعة ، ومنهم من كان يشرك في حال الضيق ، ويؤمن في حال السعة ، كقوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) [هود : ٩ ، ١٠] ، وكقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج : ١١].
ومنهم من كان يخلص الدين في حال الضر والشدة ، ويعاند ويتمرد في حال السعة والرخاء ؛ كقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ونحوه ؛ فكانوا فرقا وأحزابا على ما ذكرنا ؛ فجائز أن يكون إحدى الآيتين في فريق وقوم ، والآية الأخرى في قوم آخرين.
أو ما ذكرنا من اختلاف الأحوال : يقنطون عند ما امتد بهم الضر والشدة ، وينيبون إليه عند ما لم يمتد بهم ذلك ولم يتطاول.
أو ما ذكرنا من القنوط من الأصنام والإنابة إلى الله ؛ كقوله : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧].
وإلا الآيتان في الظاهر متناقضتان ، ولكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
يحتمل قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) على الكافرين ؛ كقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣].
ثم وجه الآيات لهم على كفار مكة من وجوه في إثبات الرسالة ، وفي البعث ، [و] في