إظهار سفههم في عبادة الأصنام وإشراكهم إياها في عبادة الله ؛ لأن أهل مكة كانوا ينكرون الرسالة والبعث ، ويرون عبادة غير الله ؛ فالاحتجاج عليهم بهذه الآية على الوجوه التي ذكرنا.
فأما الاحتجاج في إثبات الرسالة فهو من وجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم كانوا ينكرون الرسالة ؛ لأنه بشر ، ولا يرون للبشر بعضهم على بعض فضلا ؛ كقوله : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٣٣] ؛ فيريهم الفضل لبعضهم على بعض في الرزق : موسعا على بعض مضيقا مقترا على بعض ؛ فإن ثبت عندهم ، وظهر الفضل لبعض على بعض فيما ذكرنا يجوز الفضل على بعض في الرسالة.
والثاني : ذكر مقابلا لقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ يخبر أن الأمر ليس إليهم ؛ إنما ذلك إلى الله تعالى ، يختار من يشاء لما يشاء من الرسالة والنبوة وغيرهما ، كما يختار التوسيع على من يشاء والتضييق والتقتير على من يشاء ، وإن كانوا جميعا يتمنون السعة ويحبونها ، ويهربون من الضيق والتقتير ، ولكن الأمر في ذلك إلى الله تعالى كله.
والثالث : وسع على بعض وضيق على بعض ؛ فالجهة التي وسع على بعض غير الجهة التي ضيق على بعض ؛ فلا بد من رسول يخبر عن ذلك ، ويعلم ما على هذا وما على هذا ، وما جهة التفريق بينهم والتفضيل في الرزق ، والله أعلم.
وأما الاحتجاج عليهم في البعث بها فمن وجوه أيضا :
أحدها : أنه جمع في هذه الدنيا بين العدو والولي ، وسوى بينهما في التوسيع والتضييق ؛ إذ وسع على العدو والولي جميعا ، وضيق على الولي ووسع على العدو ، وفي الحكمة والعقل التفريق بينهما لا الجمع والتسوية ، وقد سوى بينهما في هذه الدنيا وجمع ؛ فلا بد من دار أخرى فيها يفرق بينهما ؛ فيلزمهم البعث ، والله الموفق.
والثاني : أنه وسع الرزق على من هو في تقديرهم وعقولهم لا يوجب التوسيع عليه ، وهو السفيه الجاهل الذي في تقدير كل ذي عقل ولب أن يكون محروما مضيقا ، وضيق على من هو في تقدير كل أحد وعقله أن يكون موسعا عليه مرزوقا ، وهو العاقل العارف بجميع أسباب السعة والغناء ، وفي التقدير على خلاف هذا ؛ فلا بد من مكان فيه يظهر التفضيل للعقول والمعارف ، والرغبة فيها ، والرغبة عن أضدادها ، ومن هو أهل التوسيع ومن هو أهل الحرمان ؛ إذ قد اشتركوا في هذه.
والثالث : أن يعتبروا وينظروا بأن من قدر على توسيع الرزق وبسطه وتضييق الرزق