في هذه الآية ، وبين في آية أخرى ؛ كقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة : ١٨٠] ، وما ذكر من المواريث قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...) الآية [النساء : ١١] ، ونحو ذلك من الحقوق. وحق المسكين وابن السبيل : ما ذكر من الصدقات والزكاة ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ).
يحتمل قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ) ، أي : الإيتاء للأقربين والمساكين والفقراء خير من الأبعدين والأغنياء وغيرهم.
أو أن يكون قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ) ، أي : ذلك الإيتاء إذا أريد به وجه الله ـ خير مما لا يراد به.
وقوله : (وَابْنَ السَّبِيلِ).
اختلف فيه : قال بعضهم : هو المنقطع عن ماله يعان حتى يصل إلى ماله.
وقيل : الضيف ينزل فيحسن إليه إلى أن يرجع ويرتحل.
وجائز أن يكون قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) ، أي : آت من ليست له عندك نعمة ؛ فيكون ذلك ليس مكافأة لتلك النعمة ، ولكن على إرادة وجه الله ، والله أعلم.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قد ذكرنا أن الفلاح هو البقاء ، وقيل : النجاة.
قال أبو عوسجة : القيم المستقيم ، (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ، أي : تائبين ، (يَقْنَطُونَ) : ييئسون.
وقوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ).
قال عامة أهل التأويل (١) : هذا في العطايا التي يعطي بعضهم بعضا ويهدون ؛ ليصيبوا أكثر مما أعطوا وأهدوا مجازاة ومكافأة لذلك ؛ كأنه يقول : وما آتيتم من عطية وهدية ؛ ليربو في أموال الناس لتزدادوا من أموال الناس ، ولتلتمسوا الفضل من أموالهم ، يقولون : هذا ربا حلال لا وزر فيه ولا أجر ؛ فهو مباح للناس عامة لا بأس به.
وأما قوله : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦] فهو للنبي خاصة ، يقول : لا تعطه لتعطى أكثر منه ؛ ابتغاء الثواب في الدنيا ، ولكن أعط ابتغاء ثواب الآخرة.
ويستدلون بإباحة ذلك بقوله : (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) ، يقول : لا يزداد ولا يتضاعف ذلك
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٧٧) ، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم وطاوس وقتادة وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٣٠٠ ، ٣٠١).