وقوله : (هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ).
قوله : (هُدىً) ، أي : توفيقا وعصمة ومعونة للمحسنين ، وكذلك هو رحمة لهم في دفع العذاب عنهم.
وأما ما يقول أهل التأويل : (هُدىً) ، أي : بيانا للمحسنين فهو بيان للكل ليس لبعض دون بعض ؛ فلا يحتمل الهدى البيان في هذا الموضع ؛ ولكن ما ذكرنا من المعونة والتوفيق والعصمة. والمحسن ـ هاهنا ـ جائز أن يكون المؤمن (١) ؛ كقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) : الصبار : هو المؤمن ، والشكور : هو المؤمن ، سمى المؤمن : صبارا مرة وشكورا مرة ومحسنا مرة ؛ لأنه يعتقد بالإيمان كل ما ذكر من الصبر والشكر والإحسان وكل خير ، والله أعلم.
وقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ...) الآية.
قد ذكرنا تأويله فيما تقدم في غير موضع.
وقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ).
تأويل الهدى ما ذكرنا في هذا الموضع من التوفيق والعصمة والمعونة.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قد ذكرناه أيضا.
وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
اختلف في قوله : (مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ).
قال بعضهم (٢) : ليس على حقيقة الاشتراء نفسه ؛ ولكن على الإيثار والاختيار ؛ لأن الاشتراء هو مبادلة أخذ وإعطاء ، ولكن آثروا واختاروا الضلال مع قبحه عندهم على الهدى مع حسنه ؛ فعلى ذلك آثروا لهو الحديث واختاروه على الحق وحكمة الحديث ، واختاروا الفاني على الباقي ؛ فسماه : شراء لذلك.
وقال بعضهم : هو على حقيقة الاشتراء. لكنهم اختلفوا : فمنهم من يقول (٣) : إنه على
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : لكنه هذا الكتاب هو بيان للكل ، ليس لبعض دون بعض ، وقد خص المحسنين بالذكر ، وهو بيان للمحسن والمسيء ، والكافر والمؤمن ؛ دل أن المراد بالهدى في هذا الموضع هو المعونة والتوفيق والعصمة ؛ إذ المختص به هو المسلم.
والمحسن ـ والله أعلم ـ يحتمل أن يكون المحسن هاهنا هو المؤمن. شرح.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨٠٣٨) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠٦).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨٠٤٢ ـ ٢٨٠٤٦) و (٢٨٠٤٨ ـ ٢٨٠٥٠) ، من طرق عنه ، وهو قول ابن مسعود ومجاهد وعكرمة وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٣٠٧ ، ٣٠٨).