اشتراء المغنية والمغني كانوا يشترونهم ؛ ليتلهوا بهم ويلعبوا.
ومنهم من قال (١) : كان أحدهم يشتري ويكتب عن لهو الحديث وباطله من حديث الأعاجم ، فيحدث بها قريشا ، ويقول : إن محمدا يحدثكم بأحاديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بأحاديث فارس والروم ؛ فذلك اشتراؤه لهو الحديث وإضلاله الناس عن سبيل الله فأعرضوا عن القرآن والإيمان بمحمد (٢).
(وَيَتَّخِذَها هُزُواً).
وكان إذا سمع شيئا من القرآن اتخذها هزوا ، هكذا عادة الكفرة وأهل النفاق : كانوا يستهزءون بالقرآن وبرسول الله وأصحابه.
ثم أوعدهم الوعيد الشديد ؛ حيث قال : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).
وابن مسعود وابن عباس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ يقولان في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) : هو شراء المغنية والغناء ، وقد روي مرفوعا عن أبي القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تبيعوا المغنيات ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ولا خير في التجارة فيهن ، وثمنهن حرام».
وفي مثله أنزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ...)(٤) الآية ، فإن ثبت هذا فهو تفسير لهو الحديث الذي ذكر في الآية.
وقوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً).
أي : أعرض متعظما متجبرا.
(كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) :
يحتمل قوله : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) ، و (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) على التقرير.
ويحتمل : على نفي الحقيقة.
فإن كان على التقرير فهو على ترك الاستماع.
وإن كان على حقيقة النفي فقد ذكر في كثير من الآي ذلك كقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨] ، وذلك يحتمل وجهين ـ والله أعلم ـ ثم أوعده العذاب الشديد ؛ حيث
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه البيهقي في الشعب عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠٦).
(٢) ينظر : اللباب (١٥ / ٤٣٧ ، ٤٣٨).
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه أحمد (٥ / ٢٥٢) ، والترمذي (١٢٨٢) ، وابن ماجه (٢١٦٨) ، وابن جرير (٢٨٠٣٥ ـ ٢٨٠٣٧) ، وسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٠٧).