وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) أي : إلى تدبير ربك ولطفه أن كيف مد الظل ، وهو لا يؤذي ولا يضر ولا يحس ، ولا يشعر به أحد بكونه فيه ولا يثقل ولا يخف ، ولا يستر ولا يكشف عن وجوه الأشياء ، إنما النور هو الكاشف عن وجوه الأشياء ، والظلمة هي الساترة لذلك ، ونحو ذلك ما يكثر ذكره مما يحيط بالخلائق كلها ؛ ليعلم أن من المحسوسات التي يقع عليها الحواس ما لا يدرك حقيقة من نحو الظل الذي ذكرنا هو ما لا يدرك حقيقة ، ومن نحو السمع والبصر والعقل والنطق باللسان ، ونحو ذلك من المحسوسات ؛ ليعلم أن الذي سبيل معرفته الاستدلال وهو منشئ هذه الأشياء ـ أحق ألا يدرك ولا يحاط بتدبيره ولطفه ؛ [و] ليعلم أن من بلغ تدبيره ولطفه هذا المبلغ لا يحتمل أن يعجزه شيء أو يخفى عليه شيء ؛ يخبر عن قدرته وتدبيره ولطفه ؛ ليعلم أنه قادر ومدبر بذاته لطيف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي : دائبا لا يذهب أبدا ، ولا تصيبه الشمس ولا يزول.
وقال بعضهم : (ساكِناً) أي : مستقرا دائما لا تنسخه الشمس كظل الجنة.
وقوله : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) : قال بعضهم : أي : تتلوه وتتبعه حتى تأتي على كله.
وقال بعضهم : قوله : (جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) يقول : حيثما تكون الشمس يكون الظل ، وأصله : أنه بالشمس يعرف الظل أنه ظل ، ولو لا الشمس ما عرف الظل ، فهو دليل معرفته وكونه أنه ظل.
وقوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) : قال بعضهم (١) : هيّنا خفيّا ، وأصله : أنه يقبض بالشمس الظل وينسخه شيئا فشيئا ، حتى تأتي على كله.
وقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) قيل (٢) : سكنا يسكن فيه الخلائق.
وقيل (٣) : لباسا ، أي : سترا.
(وَالنَّوْمَ سُباتاً) قال بعضهم (٤) : أي : راحة ، يقال : سبت الرجل يسبت سباتا فهو مسبوت.
وقال بعضهم : أصل السبت : التمدد.
وقال بعضهم : سبت الرجل إذا نعس. وقيل : رجل مسبوت : لا يعقل كأنه مسبت.
__________________
(١) قاله مجاهد وابن جريج ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٦٤٠٩) و (٢٦٤١٠).
(٢) قاله ابن جرير (٩ / ٣٩٦).
(٣) قاله ابن جرير (٩ / ٣٩٦).
(٤) قاله ابن جرير (٩ / ٣٩٦).