والعلم والعمل جميعا ؛ فحينئذ يسمى : حكيما.
وقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ).
كأنه قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) يحتمل الوجوه التي ذكرنا ـ وقلنا له : أن اشكر لله فيما أعطاك من الحكمة ، وغير ذلك من النعمة ، وهذا يدل أن لله فيما يكتسب المؤمن الحكمة والعلم صنعا ؛ إذ لو لم يكن له [لما كان] لقوله : (آتَيْنا) معنى ؛ إذ هو للعبد وكسبه ألا ترى أنه أمره أن يشكر له على ذلك ، ولو لم يكن له صنع في ذلك لكان لا يأمره بالشكر له على ما لا صنع له فيه ؛ إذ يخرج ذلك مخرج طلب الحمد والشكر على ما لم يفعل ، وقد ذم من أحب أن يحمد بما لم يفعل ؛ فلا يحتمل أن يأمر هو بالحمد والشكر على ما لم يفعل ولا صنع له في ذلك ؛ دل أن له فيه صنعا ، وهو ينقض على المعتزلة في قولهم : أن ليس لله في فعل العبد صنع ، والله أعلم.
وقوله : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).
هذا يدل أن ما يأمر عباده وينهاهم ، وفيما امتحنهم إنما يمتحنهم ويأمرهم وينهاهم ؛ لمنافع أنفسهم وحاجتهم ، لا لمنفعة نفسه أو لحاجته ؛ حيث قال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) ؛ حيث يتم تلك النعمة ويديمها له ؛ فهو بالشكر ينفع نفسه. ومن كفر فإنما ضرر كفره يلحقه دون الله ؛ ألا ترى أنه قال :
(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
أي : غني عن شكره وحمده ، حميد وإن لم يحمده أحد من خلقه ؛ لأنه غني بذاته ، حميد بصنائعه وآلائه وإن لم يحمد هو ولم يشكر على ذلك ، لا ينفعه شكر أحد ولا حمده ، ولا يضره كفران أحد ولا ترك الشكر له والحمد ، وبالله الحول والقوة.
وقوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
يحتمل قوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وجوها :
أحدها : ظلموا أنفسهم ؛ حيث وضعوها في غير موضعها ، وأوقعوها في المهالك ، بعد ما صورها أحسن تصوير ومثلها أحسن تمثيل ، وأعظم الظلم من عمل وسعى في هلاك نفسه.
أو (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) : ظلموا نعم الله ؛ حيث صرفوا شكرها إلى غير منعمها.
أو ظلموا ظلما عظيما ؛ حيث لم يقبلوا شهادة وحدانية الله وألوهيته فيما جعلها في خلقتهم وبنيتهم ؛ إذ جعل في خلقة كل أحد الشهادة على وحدانيته وربوبيته ، وذلك أعظم الظلم وأفحشه.