وقوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ).
ولم يذكر هاهنا بما ذا وصاه ، فجائز الوصية بما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨] و (إِحْساناً) [البقرة : ٨٣] ، والإحسان : هو اسم ما حسن من فعل. وقوله : (حُسْناً) : هو اسم ما حسن مما كان يفعله ، وهما واحد في الأصل.
وقوله : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ).
أي : ضعفا على ضعف ، أي : كلما مضى عليها وقت ازداد فيها ضعف على ضعف ووجع على وجع ، أمر بالإحسان إليهما جميعا ، ثم ذكر ما حملت الأم من المشقة والشدة ، ولم يذكر من الأب شيئا ، وقد كان للأب وقت احتمال الأم المشقة ـ اللذة والسرور والفرح ؛ فجائز أن يقال : إن كان من الأب بإزاء تلك المشقة التي احتملت الأم معنى ما يؤمر أن يشكر له ويحسن إليه ـ وهو ما يتحمل من الإنفاق عليها وعليه في حال الرضاع ، وهو ما ذكر (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٣] ، وقوله : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] أو ما جعله مطعونا في الناس بحيث لم يعرف له نسب ينسب إليه ؛ بل جعله معروف النسب غير مطعون في الخلق ونحوه.
ثم ذكر الفصال ولم يذكر الرضاع والمشقة في الإرضاع لا في الفصال ، لكنه ذكر تمام الرضاع وكماله ؛ إذ بالفصال يتم ذلك ويكمل ، وفي ذكر التمام له والكمال ذكر الرضاع ، وليس في ذكر الرضاع نفسه ذكر تمامه ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
أمر بالشكر له ولوالديه ، وحاصل الشكر راجع إليه دون من يشكر له ؛ إذ كل من صنع إلى آخر ما يستوجب به الشكر والثناء ـ فبالله صنع ذلك إليه وبنعمه كان منه ذلك ؛ فكل من حمد دونه أو شكر ـ فراجع إليه في الحقيقة ذلك.
ثم يخرج قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) على وجهين :
أحدهما : اشكر لي فيما تشكر والديك بإحسانهما إليك ؛ فإنهما ما أحسنا إليك إلا بفضلي ورحمتي ؛ كقوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) [البقرة : ٢٠٠] ، أي : اذكروا الله فيما تذكرون آباءكم بصنعهم ؛ فإنهم إنما فعلوا ذلك بفضل الله.
أو أن يكون قوله : (اشْكُرْ لِي) فيما أنعمت عليك ، (وَلِوالِدَيْكَ) : فيما أحسنا إليك وربياك ، والله أعلم.
وقوله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) : قد ذكرنا أنه خص ذلك المصير إليه ، وإن كانوا في جميع الأوقات صائرين إليه راجعين بارزين له ؛ لما المقصود من إنشائهم في هذا ذاك ، وصار