استخراج تلك الحبة التي استترت واحتجبت عن الخلق بالحجب التي ذكر : ما يعجز الخلائق عن استخراج مثلها من مثل تلك الحجب والأمكنة ؛ فيخافون قدرة الله ، ويهابون سلطانه في الانتقام منهم في مخالفة أمره ونهيه.
أو أن يكون السؤال عن الرزق ؛ فيخبر بهذا أن الشيء وإن كان في مكان لا يبلغه وسع البشر وحيلهم في استخراج ذلك منه والوصول إليه بحال ـ فالله سبحانه ؛ بلطفه يرزق الخلق بأشياء خارجة عن وسعهم وحيلهم ما لا يقع لهم الطمع في ذلك ؛ ليكونوا أبدا في كل حال مطمئنين في الرزق لا يؤيسهم عجزهم ولا تعذر حيلهم عن ذلك ، وألا يعلقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب التي بها يكتسبون ؛ وكذلك قال : (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٣].
أو أن يكون السؤال عن جزاء ما يعمل المرء من قليل أو كثير ومما عظم ولطف ، فيخبر أنه يجزي بقليل العمل وكثيره ، وكذلك يقول بعض أهل التأويل ذلك : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) : من خير أو شر ، (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) : في جبل ، (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) ، أي : يجازيها الله ؛ فيكون على هذا التأويل كقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] ، فأي شيء كان ، ففي ذلك : دلالة وحدانية الله ، ودلالة علمه وتدبيره ، ودلالة قدرته وسلطانه ، ودلالة الثقة به ، والتوكل عليه في الرزق ، والتفويض في الأمر في كل ما خرج عن وسع الخلق ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
قال عامة أهل التأويل (١) : إن الله لطيف في استخراج تلك الحبة ، خبير بمكانها ، وتأويل هذا الكلام : أي : يستخرج تلك الحبة من الحجب التي ذكر والأستار التي بين استخراجا لا يشعر بها أحد ، ولا علم كيفية الاستخراج منها ولا ماهيته.
واللطيف : هو البار.
ثم يخرج هو على وجهين :
أحدهما : فيما أرسل من الرسول ، وما أنزل من الكتب ؛ ليدلهم إلى ما يهتدون وإلى ما به نجاتهم ، خبير بحوائجهم.
والثاني : تأويل اللطيف يحتمل وجهين :
أحدهما : البار على ما ذكرنا.
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٢٨١٠٧) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٠).