والثاني : في استخراج أمور لا يبلغها وسع الخلق ولا علمهم وحيلهم ، والله أعلم.
وقوله : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ).
يحتمل الأمر بإقامة الصلاة وجهين :
أحدهما : الصلاة التي عرفتها العرب ، وهي المسألة والدعاء والثناء على الله والتحميد له والتمجيد ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) الآية [الأحزاب : ٥٦].
وهذه الصلاة المذكورة في هذه الآية هي الدعاء والاستغفار والرحمة له والمغفرة ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأمر بإقامة الصلاة هو الأمر بمسألة الرب حوائجه ومغفرته ورحمته ؛ ليكون أبدا في كل حال متضرعا إلى الله ، مظهرا حاجته إليه ومثنيا عليه ، واصفا عظمته وجلاله وكبريائه.
والثاني : أراد به الصلاة المعروفة المعهودة على شرائطها التي جعلت وشرعت ؛ فإن كان هذا ففيها ـ أيضا ـ ما في الأول من الدعاء والثناء على الله ـ تعالى ـ والوصف له بالعظمة والجلال ؛ لأنها جعلت من أولها إلى آخرها ذلك.
وإن كان أراد بالصلاة : الصلاة المعروفة ففيه أن الصلاة التي شرعت لنا كانت للأمم المتقدمة ، وعلى ذلك يخرج قول إبراهيم حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) [إبراهيم : ٤٠] وقول عيسى حيث قال : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) [مريم : ٣١] ، والله أعلم.
وقوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
المعروف : اسم كل بر وخير وكل مستحسن في العقل والطبع.
والمنكر : اسم كل شر وسوء مستقبح في العقل والطبع.
ثم يخرج قوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) على وجوه :
أحدها : المعروف الذي جاءت [به] الرسل عن الله ، وشرعوه للخلق ، ودعوا [إليه] الخلق.
والمنكر ـ أيضا ـ : هو الذي أنكرته الرسل ، ونهت الخلق عنه.
أو أن يكون المعروف هو الذي يقبله كل عقل صحيح ، ويستحسنه كل طبع سليم.
والمنكر : هو الذي ينكره كل عقل صحيح ولا يقبله ، ويستقبحه كل طبع سليم ، يعرف بالبداهة قبحه وحسنه.
أو يعرف أنه معروف أو منكر عند التأمل والتفكر ؛ فكله يرجع إلى واحد : إلى ما ذكرنا بدءا ، لكنه يختلف فيما ذكرنا من السبب.
وقوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ).