من الأذى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهل السفه منهم والفسق ؛ فلا بد من أن يصيب الأذى من تولى ذلك ، وهذا يدل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اللوازم : لا يسع تركه ، وإن أصابه الأذى في ذلك.
وقوله : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
قال بعضهم : إن ذلك من حزم الأمور ، والحزم : من إحكام الشيء وإتقانه ؛ كأنه يقول : إن ذلك من محكم الأمور ومتقنها ؛ لأن الشيء إذا حزم وشدد يؤمن عن سقوطه وذهابه ؛ فعلى ذلك ما ذكر.
وقال : العزم : هو القطع والثبات على شيء ، تقول : عزمت على كذا وعلى أمر كذا : إذا قطع تدبيره ورأيه واضطرابه ، وجعله بحيث لا يرجع ولا يتحول عنه للدنيا ، أو لأمر من أمورها ؛ ولكن ثبت على ما عزم وقطع ؛ فهو العزم ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً).
قوله : ولا ولا تصاعر و (وَلا تُصَعِّرْ) ، بالألف وبغير الألف ، كلاهما لغتان. ثم أهل التأويل أو أكثرهم يقولون : قوله : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، أي : لا تعرض وجهك عن الناس ؛ تعظما وتجبرا وتكبرا ، وكذلك في قوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : بطرا فرحا بالمعصية في الخيلاء والعظمة ، مستكبرا جبارا ، عامتهم يفسرونه بالإعراض للتكبر والتجبر ، وكذلك يقول الحسن : إنه قال : هو الإعراض عن الناس من الكبر ؛ استحقارا لهم واستخفافا بهم.
والزجاج يقول : الصعر : هو داء يأخذ البعير ؛ فيلوي عنقه ؛ فعلى تأويله يكون قوله : (وَلا تُصَعِّرْ) ، أي : لا تلو عنقك عن الناس.
وأبو عوسجة يقول قريبا من ذلك ؛ يقول : (وَلا تُصَعِّرْ) ، أي : لا تتجبر ، وهو أن تلوي عنقك ؛ فلا تنظر إليهم كبرا.
ويقول : الصعر : هو اعوجاج في العنق ؛ يقال : رجل أصعر ، وبعير أصعر ، وبه صعر ، ويقال في الكلام : فلان صعر خده ؛ إذا لوى رأسه عن الناس ؛ فلم ينظر إليهم ؛ كبرا منه.
وقال ـ كما قال الزجاج ـ : إن الصعر داء يأخذ البعير ؛ فيلوي عنقه ، وأصله : الإعراض ؛ على ما ذكره أهل التأويل (١) وأهل الأدب (٢).
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٠٩) و (٢٨١١٠) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٠) ، وهو قول مجاهد وعكرمة ، والضحاك وغيرهم.
(٢) انظر : مجاز القرآن (٢ / ١٢٧) ، وتفسير غريب القرآن (ص ٣٤٤).