قوله : (أَمْ يَقُولُونَ) هو استفهام وشك في الظاهر ، لكنه من الله يخرج على تحقيق إلزام وإيجاب أو تحقيق نفي ، على ما لو كان ذلك من مستفهم ومسترشد : كيف يجاب له ويقال فيه؟ فإنما يقال للمستفهم : لا أو بلى ؛ فعلى ذلك هو من الله على تحقيق إثبات وإيجاب ، أو تحقيق نفي ؛ إذ لا يحتمل الاستفهام والسؤال ؛ كقوله : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) [النجم : ٢٤] ؛ كأنه قال : ليس للإنسان ما تمنى ؛ فعلى ذلك كأنه قال ـ هاهنا ـ : بل يقولون : (افْتَراهُ) ، ثم رد ما قالوا : إنه افتراه ؛ فقال :
(بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
يحتمل قوله : (هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) : ليس بمخترع ولا مخترق ولا مفتري من محمد ؛ بل منزل من عند الله ، على ما ذكرنا في قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).
أو هو الحق من ربك ، ليس بكلام البشر ولا في وسعهم إتيان مثله ؛ فهو الحق منه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ...) الآية [فصلت : ٤٢].
وقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً).
أي : لتنذر بالكتاب الذي أنزل قوما.
(ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : على الجحد ، أي : لتنذر قوما لم يأتهم نذير ، وهم أهل الفترة الذين كانوا بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام.
والثاني : لتنذر قوما : الذين قد أتاهم من نذير من قبلك ، وهم آباؤهم وأجدادهم الذين كانوا من قبله ، الذين قد أتاهم نذير من قبله ، والله أعلم.
وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
هذا ـ أيضا ـ يحتمل وجهين :
أحدهما : لتنذر قوما ؛ لكي تلزمهم به حجة الاهتداء.
والثاني : لتنذر قوما ؛ على رجاء وطمع أن يهتدوا ، والله أعلم.
وقوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).
هذا ـ أيضا ـ قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
وفي هذا ـ أيضا ـ قد ذكرنا فيما تقدم تأويلات كثيرة (١) ، لكنا نذكر فيه حرفا لم نذكره
__________________
(١) ينظر : اللباب (٥ / ٤٣٧).