فيما تقدم من الذكر ؛ وكأنه أصوب وأقرب إلى الحق ، وهو أن ذلك حرف وكلام لم يجعل الله ـ تعالى ـ في العقول والأفهام سبيل الدرك له والمعرفة ـ أعني : لقوله (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ـ لأنه ذكر ذلك الحرف في موضع آخر ، وأمره أن يسأل به خبيرا ؛ حيث قال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] ، ولو كان ذلك الحرف مما لعقول البشر وأفهامهم سبيل الوصول إلى معرفته ودركه لأدركه عقل رسول رب العالمين وفهمه من غير أن يسأل به الخبير من كان : الله أو جبريل ، فإذا أمره بالسؤال عنه دل أنه بالعقل والفهم لا يدرك ولا يعرف ؛ ولكن بالسمع عن الله. ولم يذكر عن الرسول أنه فسر ذلك أو قال فيه أو سأله أحد عنه ، والله أعلم.
وقوله : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ).
يقول أهل التأويل : ما لكم من دونه من ولي ينفعكم في الآخرة ، ولا شفيع يدفع عنكم عذابه.
أو أن يكون قوله : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) ، أي : رب وإله يلي أمركم سواه ، (وَلا شَفِيعٍ) : لا هو ولا غيره ، وأما للمؤمنين فإنه وليهم ؛ كقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١].
وقوله : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ).
فيما ذكر من صنعه ؛ فتوحدونه ، والله أعلم.
وقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ).
قال أهل التأويل : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، أي : هو يقضي القضاء وحده من السماء والأرض. وعندنا أنه يخرج على وجهين :
أحدهما : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، أي : هو يكون الأمر ويدبره.
أو هو يجعل الخلق بحيث يقبلون الأمر والنهي ويحتملون المحنة.
أو هو يخرج الأمر كله على الحكمة والتدبير.
والثاني : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، أي : يولي من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ؛ نحو ما ولى ملك الموت قبض أرواح الخلق ، ونحو ما ولى بعض ملائكته أمر الأمطار والنبات وغير ذلك ؛ فجائز أن يكون الأول يولي ملائكته أمر ما بين السماء والأرض.
فإن كان الأول فليس ذكر السماء والأرض حدّا ولا تقديرا ؛ يدبر ما سوى ذلك ، لكن ذكر هذا ؛ لما إلى ذلك ينتهي تدبير البشر وعلمهم ، وأما ما سوى ذلك فلا.
وإن كان الثاني فهو على التحديد ، والله أعلم.