وقوله : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ).
قال بعض أهل التأويل (١) : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ، يقول : يصعد الملك إليه في يوم واحد من أيام الدنيا ، كان مقدار ذلك اليوم ، (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، أنتم ؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ؛ فينزل مسيرة خمسمائة عام ، ويصعد خمسمائة عام ، وذلك مقدار مسيرة ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا.
وذكر في موضع آخر : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] ؛ فجائز أن يكون ذلك وصف يوم القيامة ؛ فيخرج ذلك لا على التحديد والتقدير ؛ ولكن على التعظيم لذلك اليوم ، والوصف له بما يعظم في قلوب الخلق ، وهو ما وصفه بالعظمة ؛ كقوله : (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [المطففين : ٥].
أو أن يكون التحديدان والتقديران كانا حقيقة ؛ لاختلاف أحواله وأوقاته ، على اختلاف الأمور ، يكون ألف سنة [كما] ذكر [في] حال ووقت لأمر ، وخمسين ألف سنة بحال أخرى لأمور أخر ؛ على ما سمى ذلك اليوم مرة : يوم الجمع ، ومرة : يوم التفريق ، ويوم الفصل ، ويوم الحساب ، ويوم البعث ، ونحوه ، ومعلوم أن ذلك اليوم من أوله إلى آخره ليس بيوم الجمع ، ولا بيوم الافتراق ، ولا يوم الحساب ولا يوم البعث ؛ ولكن [سماه] بجميع ذلك كله ؛ لاختلاف الأحوال والأوقات لأمور مختلفة ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأول كذلك ، والله أعلم.
ويكون قوله : (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ، أي : يصير إليه ذلك ؛ كقوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [المائدة : ١٨] ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٤٥] ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) [هود : ١٢٣] ، ونحوه.
[وقوله : (يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ، أي : يصعد في قول القتبي وأبي عوسجة (٢) ، ويعرج : أي : احتبس](٣).
وقوله : (ذلِكَ).
أي : هذا الذي صنع ما ذكر من هذه الأشياء.
(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).
يحتمل هذا وجوها :
عالم ما غاب عن الخلق والشهادة : وعالم ما يشهدون ويعلنون.
أو عالم ما يكون ويحدث ، والشهادة : ما قد كان ومضى.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٨٨) و (٢٨١٩٢) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٣٠) ، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك.
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٦).
(٣) ما بين المعقوفين جاء في أ : قبل : وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ....).