وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
يحتمل الزكاة المفروضة.
ويحتمل ينفقون صدقة التطوع.
وجائز أن يكون قوله : ومما رزقناهم من الأسباب السليمة ينفقون ، أي : يعملون ، والله أعلم.
وقوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
ذكر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال ربكم : أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (١) هذا علم النفس أنها لا تعلم إلا مثال ما أحست وعاينت وشاهدت ، فأما العقل فإنه جائز أن يعلم ويخطر ما لم ير ويحس ولم ير له مثالا ، والله أعلم.
وعلى قول المعتزلة : يدعون ربهم أمنا وإياسا لا على الخوف والطمع على ما ذكر ؛ لأنهم لا يخلو إما أن يكونوا أصحاب الصغائر ، أو أصحاب الكبائر ؛ فإن كانوا أصحاب الصغائر فهم آمنون على قولهم ؛ لأنه لا يسع له أن يعذب على الصغيرة على قولهم ، أو أصحاب الكبائر فهم آيسون من رحمته ؛ إذ لا يسع [له] أن يغفر [الكبائر] على قولهم ؛ فقولهم مخالف لظاهر الآية.
قال أبو عوسجة : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) ، أي : لا يضعونها بالأرض ؛ يقال : تجافى جنبي : إذا لم يضطجع لم ينم ، وجافيت جنبي ، أي : لم ألزقه بالأرض.
وقال القتبي : (٢) (تَتَجافى) ، أي : ترتفع عن الأرض. ونزلا من النزل ، والنزل : ما يجعل للرجل يأكله وينفقه.
وقوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ).
إن أهل التأويل يقولون : نزلت الآية في شأن علي بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط : كان بينه وبين علي ـ رضي الله عنه ـ كلام وتنازع ، حتى قال له علي : إنك فاسق وأنا مؤمن ، فنزلت الآية فيهم ، لكن الآية في جميع المؤمنين والفاسقين ، يخبر أن ليس بينهم استواء.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٤٦٥) ، كتاب بدء الخلق : باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٤٤) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) ، كتاب الجنة وصفة نعيمها (٢ / ٢٨٢٤) ، والترمذي (٥ / ٢٥٦) ، في التفسير باب : (ومن سورة السجدة) (٣١٩٧) ، وابن ماجه (٥ / ٦٩١ ، ٦٩٢) ، كتاب الزهد : باب صفة الجنة (٤٣٢٨) ، وابن جرير (٢٨٢٥٣) ، و (٢٨٢٥٤).
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٦).