ثم جائز أن يكون ذكر هذا ونزل ؛ لقول كان من أولئك الكفرة الفسقة للمؤمنين : إن منزلتنا ومنزلتكم وقدرنا في الآخرة عند الله ـ سواء ؛ فنزلت الآية لذلك أنهما ليسا بسواء ؛ فبيّن منزلة المؤمن عند الله وقدره ، وما ذكر من الثواب له والكرامة ، ومنزلة الفاسق ما ذكر من الخلود في النار أبدا ، كقوله : (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ) [العنكبوت : ١ ، ٢] ، وكقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ...) الآية [الجاثية : ٢١].
أو يذكر ذلك على الابتداء : إنكم تعرفون في عقولكم أن ليس المؤمن المصدق في الشاهد في المنزلة والقدر عنده كالخارج عن أمره وكالمكذب له ، فكيف تطمعون الاستواء عند الله وأنتم الفسقة الخارجون عن أمر الله ، وأولئك هم الصادقون له؟! والله أعلم بذلك.
ثم الخوارج والمعتزلة يقولون : لو كان الفاسق مؤمنا على ما تقولون لم يكن لما ذكر معنى ؛ فدل أن الفاسق لا يكون مؤمنا ؛ حيث ذكر أنهما لا يستويان وأن المؤمن مأواه في الجنة والخلود له فيها ، والفاسق مقامه في النار ، خالدين فيها على ما ذكر ، فلو كان على ما تقولون لكانا يستويان ، أو كلام نحو هذا.
فيقال لهم : إنا وأنتم نتفق أن هذا الفاسق المذكور في الآية ليس بمؤمن ، وأنه لا يستوي [هو و] المؤمن ؛ لأنه ذكر الفسق مقابل الإيمان ، دليله آخر الآية ؛ حيث قال : (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ذكر التكذيب ، والتكذيب هو مقابل الإيمان والتصديق ، وكل فسق كان مذكورا مقابل الإيمان فهو كفر وتكذيب ؛ فهو لا يكون مؤمنا ، ولكن هاتوا فاسقا ذكر لا مقابل الإيمان ، ولكن مقابل غيره من العصيان والمساوي ، ويكون له هذا الوعيد الذي ذكر في هذا ؛ ألا يرى أن السؤال المذكور مقابل الإيمان كفر ، كقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) [غافر : ٥٨]؟! فعلى ذلك الفسق المذكور مقابل الإيمان كفر لا يقع فيه استواء بحال ، وأما الفسق المذكور لا مقابل الإيمان فجائز أن يقع فيهما استواء ، وهو أن يغفر له ذنبه ويكفر عنه سيئته ، ويدخل الجنة ؛ حيث قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، وقال في آية أخرى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ...) [النساء : ٣١] ، وقال في آية أخرى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) الآية [الأحقاف : ١٦].
هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء تجاوز عنه ، وأصحاب الحديث يقولون : إن جميع الطاعات إيمان بهذه الآية ؛ لأنه قال : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) ، ثم فسر